لأنه في معنى: ما تأتينا فتقول شرا. قال سيبويه:"وتقول: لا تأتينا فتحدثَنا إلا ازددنا فيك رغبة، فالنصب ههنا كالنصب في: ما تأتيني فتحدثني، إذا أردت معنى: ما تأتيني محدثا" قال: ومثل ذلك قول اللعين المنقري:
وما حَلّ سَعْدِيٌّ غريبا ببلدة ... فيُنْسَبَ إلا الزِّبْرِقانُ له أب
يعني أن نصب ما فيه الاستثناء إنما يجوز على وجه واحد من وجهي النصب في جواب النفي المحض، ولو رفع لجاز على التشريك، ومعنى: ما تأتينا وما تقول إلا خيرا. ولا يجوز على الاستئناف، لاستلزامه التفريغ في الموجب.
وتقول: ما أنت إلا تأتينا فتحدثُنا، وما تزال تأتينا فتحدثنا فالرفع لا غير، لأن النفي لم يدخل في المعطوف عليه، إنما دخل في الأول على شيء مقدر أخرج منه المعطوف عليه وأوجب بإلا، وفي الثاني على متعلق المعطوف عليه، وكان معناه النفي، فصار إثباتا.
ويجوز أن يكون المراد بالنفي المحض ما يدل عليه بما وضع لمجرد النفي، كما ولا وليس، ويدخل فيه جميع ما ذكر من النفي الخالي عما يزيل معناه، والمقارن لما يزيله، ويكون المراد بالنفي المؤول على هذا، وهو الأقرب، ما يدل عليه مما له مسمى يقرب من معنى النفي، فيقام مقامه، نحو: غير، فإنه اسم بمعنى مخالف، وقد يقصد به النفي، فيكون له جواب مقرون بالفاء، كقولك: غير قائم الزيدان فنكرمَهما، ذكره ابن السراج، ثم قال: ولا يجوز هذا عندي، قال الشيخ رحمه الله: هو عندي جائز. وحجته في ذلك جواز ذكر "لا" مع المعطوف على المضافة هي إليه، كما في قوله تعالى: (غير المغضوب عليهم ولا