لأن الإتيان موجب فلا يجوز النصب بعده إلا على مذهب من ينصب في الواجب كقوله: وألحق بالحجاز فأستريحا
واقتدى في هذه المسألة بما ذكره أبو علي في الإغفال رادا على قول أبي إسحاق الزجاج في قوله تعالى:(لِم تلبسون الحقَّ بالباطل وتكتمون الحق) ولو قال: وتكتموا الحق لجاز، على قولك: لِمَ تجمعون بين ذا وذا؟ ولكن الذي في القرآن أجود في الإعراب.
وقد حكى ابن كيسان نصب الفعل جواب الاستفهام في نحو: أين ذهب زيد فنتبعَه؟ وكم مالك فنعرفَه؟ ومَن أبوك فنكرمَه؟ ولا أراه يستقيم على مأخذ البصريين إلا بتأويل ما قبل الفاء باسم معمول لفعل أمر، دل عليه الاستفهام، والتقدير: ليكن منك إعلامٌ بموضع ذهاب زيد فاتباعٌ منا، وليكن منك إعلامٌ بقدر مالك فمعرفةٌ منا، وليكن منك إعلامٌ بأبيك فإكرامٌ منا له. وإذا كان مثل ذلك جائزا على ما ذكرنا، فالذي قاله الزجاج هو الصواب.
وأما النفي فكقولك: لا تأتيني فتحدثني، فالنصب على تقدير: لا يكون منك إتيان فحديث، وله معنيان: أحدهما أن يكون الإتيان سببا للحديث، وهو منفي نفيا مطلقا، والحديث ممتنع لعدم سببه، فكأنه قيل: أنت لا تأتيني فكيف تحدثني، ولو أتيتني حدثتني، كما قال تعالى:(لا يُقْضى عليهم فيموتوا).
والثاني أن يكون الإتيان منفيا بقيد اقتران الحديث به، كأنه قيل: ما تأتيني إلا لم تحدثني، أو لا تأتيني محدثا، أي: منك إتيان كثير بلا حديث، كما تقول: لا يسَعُني شيء ويعجز عنك.