للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا تاب عن ذنب وعاد إليه، ثم تاب ثانيًا توبته صحيحة، ولو عاد إلى الذنب في يوم مئة مرة (١)، وكذا تصح التوبة عن بعض الذنوب، مع الإصرار على بعض (٢) آخر، وعن الصغائر والكبائر


(١) وهذا مذهب أهل الحق من السلف، والخلف لحديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما يحكيه عن ربه عز وجل- قال: "أذنب عبد ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد، فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال -تبارك وتعالى-: عبدي أذنب ذنبًا، فعلم أن له ربًا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد، فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال -تبارك وتعالى-: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت، فقد غفرت لك" قال عبد الأعلى: لا أدري أقال في الثالثة، أو الرابعة: اعمل ما شئت؟ ! وذهبت المعتزلة إلى اشتراط ثلاثة أمور في التوبة: رد المظالم، وأن لا يعاود ذلك الذنب، وأن يستدم الندم، وهي عند الجمهور غير واجبة فيها هذه الشروط إذ رد المظالم عندهم واجب برأسه لا مدخل له في الندم على ذنب آخر، ولأن عدم المعاودة أصلًا، فلأن الشخص قد يندم على الأمر زمانًا، ثم يبدو له، واللَّه مقلب القلوب، وأما استدامته للندم: فلأن الشارع أقام الحكمي مقام ما هو حاصل بالفعل كما في الإيمان ولما في التكليف فيها من الحرج المنفي عن الدين.
راجع: صحيح مسلم: ٨/ ٩٩، والإرشاد للجويني: ص/ ٣٤١ - ٣٤٢، والمواقف: ص/ ٣٨١، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام: ١١/ ٦٩٩ - ٧٠١.
(٢) وهذا هو مذهب أهل الحق من السلف، والخلف، وذلك للإجماع على صحة إسلام من أصر على بعض معاصيه، ولأن حقيقتها الرجوع، والندم والعزم، وقد وجدت.
وقال أبو هاشم من المعتزلة لا تصح، ولا تقبل إلا بالتوبة من جميع الذنوب، إذ الندم إنما هو لقبحها، وهو شامل لكل المعاصي، ورد عليه بأن الشامل للكل هو القبح لا قبحها.
راجع: الإرشاد للجويني: ص/ ٣٤٠، والمعالم للرازي: ص/ ١٣٧، والمواقف للإيجي: ص/ ١٨١، وشرح المقاصد: ٥/ ١٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>