للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= يا رب! رد راكبي محمدًا ... رده علي واصطنع عندي يدًا
وقول عروة بن مسعود لأبي بكر يوم الحديبية: لولا يدً لك عندي لم أجزك بها أجبتك.
وقد تكون اليد بمعنى القدرة تسمية للشيء باسم مسببه؛ لأن القدرة هي التي تحرك اليد، يقولون: فلان له يد في كذا وكذا؛ ومنه قول زياد لمعاوية: إني قد أمسكت العراق بإحدى يدي، ويدي الأخرى فارغة، يريد نصف قدرتي ضبط أمر العراق. ومنه قوله: (بيده عقدة النكاح)، والنكاح كلام يقال، وإنما معناه أنه مقتدر عليه.
وقد يجعلون إضافة الفعل إليها إضافة الفعل إلى الشخص نفسه، لأن غالب الأفعال لما كانت باليد جعل ذكر اليد إشارة إلى أنه فعل بنفسه، قال الله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} إلى قوله {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} أي: بما قدمتم؛ فإن بعض ما قدموه كلام تكلموا به وكذلك قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} إلى قوله {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} والعرب تقول: يداك أوكتا، وفوك نفخ: توبيخا لكل من جر على نفسه جريرة؛ لأن أول ما قيل هذا لمن فعل بيديه وفمه.
(قلت له): ونحن لا ننكر لغة العرب التي نزل بها القرآن في هذا كله والمتأولون للصفات الذين حرفوا الكلم عن مواضعه وألحدوا في أسمائه وآياته تأولوا قوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} وقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} على هذا كله فقالوا: إن المراد نعمته، أي نعمة الدنيا، ونعمة الآخرة، وقالوا بقدرته.
وقالوا: اللفظ كناية عن نفس الجود؛ من غير أن يكون هناك يد حقيقة؛ بل هذه اللفظة قد صارت حقيقة في العطاء والجود. وقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} في خلقته أنا، وإن لم يكن هناك يد حقيقية، قلت له فهذه تأويلاتهم؟ قال: نعم، قلت له: فننظر فيما قدمنا:
(المقام الأول): أن لفظ "اليدين" بصيغة التنثنية لم يستعمل في النعمة ولا في القدرة، لأن من لغة القوم استعمال الواحد في الجمع كقوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}، ولفظ الجمع في الواحد كقوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ}، ولفظ لجمع الجمع في الاثنين كقوله: {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} أما استعمال لفظ الواحد في الاثنين، أو الاثنين في الواحد فلا أصل له؛ لأن هذه الألفاظ عدد وهي نصوص في معناها لا يتجوز بها, ولا يجوز أن يقال: عندي رجل ويعني رجلين، ولا عندي رجلان ويعني به الجنس؛ لأن اسم الواحد يدل على الجنس والجنس فيه شياع، وكذلك اسم الجمع فيه معنى الجنس والجنس يحصل بحصول الواحد.
فقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} لا يجوز أن يراد به القدرة؛ لأن القدرة صفة واحدة، ولا يجوز أن يعبر بالاثنين عن الواحد.
ولا يجوز أن يراد به النعمة لأن نعم الله لا تحصى؛ فلا يجوز أن يعبر عن النعم التي لا تحصى بصيغة التثنية. =

<<  <  ج: ص:  >  >>