للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولأَنَّ الضمير لا يجوز أَنْ يحل محل الاسم حتى يعرف المخاطب من المقصود بالضمير فقد قرَّر سيبويه أَنَّ الضمير لا يوصف. يقول: «من قبل أَنَّ هو اسم مضمَر والمضمر لا يوصَف بالمظهر أبدا») (١). وهذا أمر منطقي؛ فقد سبق أَنْ قلنا إِنَّ النعت يأتي متمِّما «لما يطلبه المتبوع بحسب المقام»، وهذا يعنى أَنَّ النعت قد يأتي: للتوضيح والتخصيص والمدح والذم والترحم والإبهام والتوكيد والتفصيل، وكل هذا لا يحتاجه الضمير، لأَنَّنا لا نستخدم الضمير إلا إذا علمنا تماما وبصورة واضحة الاسم الذي يمثل مرجع هذا الضمير.

وقد يلعب السِّياق أحيانا دورا مهما مع الضمير، يتمثل في إسهامه في تحديده لـ «مرجعيته» وعدم تحديد مَرْجِعِيَّة للضمير بسبب عدم وضوح السِّياق قد يتسبب في تعَدُّد المعاني للجملة. فمثلا في أحد الشواهد النحوِيَّة، يقول الشاعر) (٢):

وَمَا أُصاحِبُ مِن قومٍ فأذكُرَهُم ... إلا يزيدهم حبًّا إليَّ هُمُ [بحر البسيط]

يقول الشيخ محيي الدين عبد الحميد في معناه: «يحتمل هذا البيتُ معنيين، بناء على اختلاف مرجع ضميري الغائبين في الشطر الثاني منه ... ») (٣).

وكثيرا ما نجد مثلا الإمام الزَّمَخْشَرِيّ في تفسيره يحدد ــ في غياب القرينة ــ أكثر من مَرْجِعِيَّة للضمير في بعض الآيات، وكم من مرة استغل ذلك في الإثراء الدِّلَالِيّ للآيات القُرْآنِيَّة) (٤).

ويلعب السِّياق دورا في تحديد دلالة بعض الضمائر، مثل الضمير نحن الذي قد يدلُّ على اثنين أو أكثر. يقول سيبويه: «وإن حدث عن نفسه وعن آخر قال: نحنُ، وإن حدث عن نفسه وعن آخرين قال: نحنُ») (٥). وكذلك الضمير أنتما؛ فدلالة الضمير العَدَدِيَّة تتوقف على السِّياق.


(١) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٨٨
(٢) هو: زياد بن منقذ العدوي التميمي، وقد أورد ابن هشام هذا البيت في كتابه ((أوضح المسالك))
١/ ٩٢، مستشهدا به في قوله ((إلا يزيدهم حبا هم)) على ((فصل الضمير المرفوع وهو: هم، في آخر البيت، وكان قياس الكلام أن يجيء به ضميرا متصلا بالعامل الذي هو يزيد)).
(٣) عدة السالك إلى تحقيق أوضح المسالك: ١/ ٩١
(٤) ينظر مثلا تفسيره لقوله تعالى: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} البقرة: ٢٥، ١/ ١٠٢ ــ ١٠٣، وقوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} البقرة: ٢٨، ١/ ١١٧، وتفسيره لقوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} ... البقرة: ٧٣، ١/ ١٤٣
(٥) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٣٥٠

<<  <   >  >>