للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(يا رسول الله مرتين) الظاهر أن مرتين متعلق بالمحذوف، أي: أنا الملم بذلك الفعل مرتين، وأخبر بالوطء مرتين لاحتمال تعدد الكفارة بتعدد الوطء في وقتهن وليعلم ما يجب بالوطأة الثانية، وهذا أولى من تعلق مرتين بالقول ويكون التقدير: قلت له هذا القول مرتين (وأنا صابر لأمر الله) تعالى أي: لما يقضي الله به علي، ولفظ ابن ماجه: وها أنا يا رسول الله صابر لحكم الله علي.

(فاحكم فيَّ ما أراك الله) معناه: على قوانين الشرع إما بوحي ونص أو بنظر جارٍ على سنن الوحي، وهذا أصل في القياس، وفيه دليل على أنه - عليه السلام - كان يجتهد فيما لا نص فيه عنده من الحوادث وهي مسألة خلاف في أصول الفقه، وهذا الحديث والآية حجة للجواز، وأن الاجتهاد في الأحكام منصب كمال، فلا ينبغي أن يفوته - عليه السلام -، وقد دل على وقوعه منه - عليه السلام -: "لو قلت نعم لوجبت" (١) وحجة المانعين {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (٢) وعلى القول بجواز الاجتهاد له، هل يقع منه الخطأ؟ والصواب أنه إن رأى شكًّا كان صوابًا؛ لأن الله تعالى أراه ذلك، وقد تضمن الله لأنبيائه العصمة، وأما أحدُنا إذا رأى شيئًا فظنه فلا قطع فيما رآه، ولم يرد به رؤية العين في الحديث ولا الآية؛ لأن الحُكم لا يرى بالعين.

(قال: حرر) لفظ ابن ماجه قال: "أعتق" (رقبة) هو موافق لقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (٣)، وهذِه الرقبة مؤمنة؛ لأنها مقيدة في كفارة


(١) أخرجه مسلم (١٣٣٧)، وأصله في "صحيح البخاري" أيضًا.
(٢) النجم: ٤.
(٣) المجادلة: ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>