للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سمع صحيح البخاري بقراءته على الحجّار، وتعصّب له الأمير سيف الدين أرغون النائب وخلّص له مشيخة الحديث بالظاهرية، ولم أعرف أحداً من أمراء الدولة إلا وهو يحبه ويصحبه ويميل إليه ويجتمع به، وإنما كان الأمير سيف الدين ألجاي الدوادار والقاضي فخر الدين ناظر الجيش منحرفين عنه قليلاً، وكذلك القاضي شهاب الدين أحمد بن فضل الله كان منحرفاً عنه.

وأقمت عنده بالظاهرية قريباً من سنتين فكنت أراه في كثير من الأوقات يصلي في كل صلاة مرات كثيرة، وسألته يوماً عن ذلك فقال لي: إنه خطر لي يوماً أن أصلّي كل صلاة مرتين ففعلت ذلك زماناً فخف عليّ، فخطر لي أن أصلي كل صلاة ثلاث مرات ففعلت ذلك زماناً وخفّ عليّ، فخطر لي أن أصلي كل صلاة أربع مرات ففعلت ذلك زماناً وخفّ علي، وأنسيت هل قال لي: خمس مرات أو لا.

وكان صحيح العقيدة، جيّد الذهن، يفهم به النكت العقلية ويسارع إليها، ولكنه جمّد ذهنه لاقتصاره به على النّقل، ولو كان اشتغاله على قدر ذهنه بلغ الغاية القصوى، ولكن كان عنده لعب، على أنه ما خلّف مثله. وكان النّظم عليه بلا كلفة، يكاد لا يتكلم إلا بالوزن. وفيه قلت أنا:

لي صاحب يتمنى لي الرضا أبداً ... كأنما يختشي صدّي وهجراني

ويغلب النّظم ألفاظاً يَفوه بها ... فما يُكلّمني إلا بميزان

وكتبت له استدعاء بإجازته لي، ونسخته بعد الحمدلة والصلاة.

المسؤول من إحسان سيدنا الشيخ الإمام العالم العلامة المتقن الحافظ رحلة

<<  <  ج: ص:  >  >>