للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فيه إلى ما اتفق أهل العلم عليه، ويجتهد في قبول ما جاء به، على حسب ما يؤدي النظر إليه والدليل".

ثم يقول: "على أنه لا يُقبل فيمن اتخذه جمهور من جماهير المسلمين، إمامًا في الدين، قول أحد من الطاعنين" (١). ثم ذكر أقوال السلف بعضهم في بعض، وذكر أنها لا تقبل, لأنها قيلت في وقت الغضب غالبًا، أو لسبب كان بينهم لا نعرف خفاياه.

ثم ختم الباب بقول أسنده إلى أبي داود السجستاني، صاحب السنن, وهو: "رحم الله مالكًا، كان إمامًا، رحم الله الشافعي، كان إمامًا، رحم الله أبا حنيفة، كان إمامًا".

فأبو حنيفة، الذي ثبتت في الدين إمامته، واشتهرت بين المسلمين عدالته وأمانته، وانتشر في أقطار المسلمين علمه ونزاهته، واتبع فقهه أكثر المسلمين على مدى القرون إلى هذا اليوم، لا يقبل فيه قول أحد من الطاعنين، ولا يلتفت فيه إلى حسد الحاسدين".

ثم ذكر محمود الطحان: نقدًا للخطيب فيما أورده من مثالب أبي حنيفة حيث قال:

"إنه قال مما لا شك فيه، أن الخطيب -رحمه الله- مؤرخ في كتابه الذي ترجم فيه لأبي حنيفة وغيره، ولا لوم عليه، أن يذكر كل ما بلغه عن الأشخاص الذين ترجم لهم في تاريخه من أقوال الناس فيهم، من المناقب والمثالب.

ولقد أشار إلى ذلك -قبل إيراده مثالب أبي حنيفة- معتذرًا إلى من وقف عليها وكره سماعها، بأن أبا حنيفة أسوة غيره من العلماء الذين ترجم لهم، وذكر أقوال الناس فيهم على تباينها.

لكني ألاحظ على الخطيب في ذلك بعض الملاحظات وهي:

أ- ترجيحه لصحة مثالب أبي حنيفة على مناقبه، على غير عادته في باقي التراجم.

فإنه بعد أن سرد مناقب أبي حنيفة، عقب عليها بقوله: "وقد سقنا عن أيوب السختياني، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وأبي بكر بن عياش، وغيرهم من الأئمة، أخبارًا كثيرة، تتضمن تقريظ أبي حنيفة، والمدح له، والثناء عليه. والمحفوظ، عند نقلة الحديث من الأئمة المتقدمين-، وهؤلاء المذكورون منهم-، في أبي حنيفة، خلاف ذلك وكلامهم فيه كثير لأمور شنيعة حفظت عليه، متعلق بعضها بأصول الديانات، وبعضها بالفروع، نحن ذاكروها بمشيئة الله، ومعتذرون إلى من وقف عليها وكره سماعها، بأن أبا حنيفة عندنا، مع جلالة قدره، أسوة غيره من العلماء الذين دونا ذكرهم في هذا الكتاب وأوردنا أخبارهم، وحكينا أقوال الناس فيهم على تباينها، والله الموفق للصواب" (٢). ومعلوم أن المحفوظ عند أهل العلم بالحديث يقابله الشاذ. وأن الشاذ مردود في مقابل المحفوظ، فتكون مناقب أبي حنيفة التي ساقها، مردودة سلفًا-، في حكم الخطيب-، كما أن مثالبه مقبولة سلفًا. وهو أمر


(١) جامع بيان العلم: (٢/ ١٨٦).
(٢) تاريخ بغداد: (١٣/ ٣٦٩ - ٣٧٠).