للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وفي الخبر التاسع: سفيان بن وكيع بن الجراح. ذكر الخطيب في التاريخ، والذهبي في الميزان، أن البخاري قال: "يتكلمون فيه بأشياء لقَّنوها إياها). وقال أبو زرعة: "يتهم بالكذب وقال ابن أبي حاتم: "أشار أبي عليه أن يغير ورَّاقه، فإنه أفسد حديثه فقال: سأفعل، ثم تمادى، فسقط من رتبه الاحتجاج عند النقاد".

ومفاد هذا الخبر، ابن أبي ليلى، هدّد أبا حنيفة بأنه إن لم يرجع عن قوله بخلق القرآن، فسيفعل به ما يفعل، وأن أبا حنيفة رجع عن قوله، ولما سأله ابنه حماد، كيف رجعت، فقال يا بني، خفت أن يقدم علي، فأعطيته التقية. أقول: ولو كان أبو حنيفة ممن يعطي التقية، لما ضربه ابن هبيرة، ولا امتحنه والي الكوفة، ولا ضربه المنصور إلى أن مات، وهو محبوس، فَمَنْ ابن أبي ليلى، حتى يعطيه أبو حنيفة التقية؟

فقد ذكر ابن عبد البر في الانتقاء في "باب جامع في فضائل أبي حنيفة وأخباره فقال: "نا عبد الوارث بن سفيان قال: نا قاسم بن أصبغ، قال: نا أحمد بن زهير بن حرب، قال: نا سليمان بن أبي شيخ، قال نا الربيع بن عاصم مولى لفزارة قال: أرسلني يزيد بن عمر بن هبيرة، فقدمت بأبي حنيفة عليه، فأراده على بيت المال فأبى، فضربه أسواطًا عشرين.

ونا عبد الوارث قال: نا قاسم، قال: نا أحمد بن زهير بن حرب، قال: نا صليمان بن أبي شيخ، قال: نا عبد الله بن صالح بن مسلم العجلي، قال: قال رجل بالشام للحكم بن هشام الثقفي: أخبرني عن أبي حنيفة؟ قال: كان من أعظم الناس أمانة، وأراده السلطان على أن يتولى مفاتيح خزانته، أو يُضْرَب ظهره، فاختار عذابهم على عذاب الله. فقال: ما رأيت أحدًا يصف أبا حنيفة بمثل ما وصفته. قال: هو والله كما قلت لك" (١).

بل لقد عقد الخطيب نفسه في أوائل ترجمة أبي حنيفة فصلًا سماه: "ذكر إرادة ابن هبيرة أبا حنيفة، على ولاية القضاء، وامتناع أبي حنيفة من ذلك" وساق تحت هذا الفصل عددًا من الأخبار تفيد أن ابن هبيرة استدعى أبا حنيفة مرة ليلي القضاء، ومرة ليلي بيت المال، فأبى أبو حنيفة، فضرب أسواطًا. وفي بعض الروايات، أنه ضربه مائة سوط وعشرة أسواط، في كل يوم عشرة أسواط، حتى لقد بكى في بعض الأيام التي أخرج فيها تلك الأسواط، فلما أطلق، قال: "لقد كان غم والدتي أشد علي من الضرب. وهدا بعض ما ساقه الخطيب في ذلك".

قال الخطيب: "أخبرنا الخلال"، أخبرنا الحريري، أن النخعي حدثهم قال: حدثنا محمّد بن علي بن عفان، حدثنا يحيى بن عبد الحميد عن أبيه قال: كان أبو حنيفة يخرج كل يوم -أو قال بين الأيام- فيضرب ليدخل في القضاء فأبى، ولقد بكى في بعض الأيام، فلما أطلق قال لي: كان غم والدتي عليّ أشد من الضرب". وقال النخعي: "حدثنا إبراهيم بن مخلد البلخي، ثنا محمّد بن سهل، أن أبا منصور المروزي، قال: حدثني محمّد بن النضر، قال: سمعت إسماعيل بن سالم البغدادي، يقول:


(١) الانتقاء: (ص ١٣٧ - ١٣٨).