فَخرجت إِلَى الْحجاب والبوابين وَأَصْحَاب المقارع، فبالغت فِي تحذيرهم، وتهديدهم، وعرفتهم مَا قَالَ، وَأَنه حلف أَن تضرب أَعْنَاقهم إِذا خالفوا، وأكدت الْوَصِيَّة بجهدي، مستظهرا لنَفْسي.
وَخرجت إِلَى خَارج الدَّار، فَوجدت الرجل قَائِما، فأعلمته أَن دَمه مُرْتَهن بنظرة ينظرها إِلَيْهِ خُزَيْمَة فِي دَار السُّلْطَان، أَو على بَابه، أَو فِي الطَّرِيق، وحذرته تحذيرا شَدِيدا، وخوفته من سفك دَمه، وَأَن لَا يَجْعَل عَلَيْهِ سَبِيلا، فشكرني على تحذيره، وَانْصَرف كئيبا.
فَلَمَّا أَصْبَحْنَا من الْغَد، غَدَوْت إِلَى دَار خُزَيْمَة على رسمي، للملازمة، فَلَمَّا دَنَوْت من الْبَاب، إِذا بِالرجلِ وَاقِفًا كَمَا كَانَ يقف منتظرا لركوبه.
فَعظم ذَلِك عَليّ، وَقلت: يَا هَذَا، أما تخَاف الله؟ أَتُحِبُّ أَن تقتل نَفسك؟ أما تعرف الرجل؟ فَقَالَ: وَالله، مَا أتيت هَذَا عَن جهل مني وَلَا اغترار، بل أَتَيْته على أصل قوي، وَسبب وثيق، وسترى من لطف الله مَا يَسُرك، وتعجب مِنْهُ.
قَالَ الْحسن: فَزَاد عجبي مِنْهُ، وَدخلت الدَّار، فصادفت خُزَيْمَة فِي صحن الدَّار يُرِيد الرّكُوب، فحين نظر إِلَيّ، قَالَ: مَا فعل حَامِد بن عَمْرو؟ قلت: رَأَيْته السَّاعَة بِالْبَابِ، وَقد تهددته، فَلَمَّا رَأَيْته الْيَوْم بِالْبَابِ تعجبت من جَهله وَعوده، مَعَ مَا أعذرت إِلَيْهِ من الْوَعيد، وأمرته بالانصراف، فَأَجَابَنِي بِجَوَاب لَا أَدْرِي مَا هُوَ، فَأَنا بَرِيء من فعله.
فَقَالَ: بِأَيّ شَيْء أجابك؟ فَأَخْبَرته، فَسكت خُزَيْمَة، وَخرج فَركب، فحين رَآهُ حَامِد ترجل لَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute