فَلَا يكَاد ينْصَرف أحد من ذَلِك الْجمع الْعَظِيم المفرط، إِلَّا وَهُوَ مسرور بِقَضَاء حَاجته.
قَالَ أَبُو عصمَة: وَكَانَ مِمَّن يتَصَرَّف فِي الْأَعْمَال، رجل من الْأَعْرَاب، ذُو لِسَان وفصاحة، يُقَال لَهُ: حَامِد بن عَمْرو الْحَرَّانِي، وَكَانَ فِيهِ إلحاح شَدِيد، وملازمة تَامَّة إِذا تعطل، فيؤذي بذلك ويبرم.
وَكَانَ يُخَاطب خُزَيْمَة فِي أَيَّام الثُّلَاثَاء، وَلَا يقنع بذلك، حَتَّى يلازم بَابه كل يَوْم، وَإِذا ركب خاطبه على الطَّرِيق، وَرُبمَا تعرض لَهُ فِي دَار الْخَلِيفَة فخاطبه، وَلم يكن فِي طبع خُزَيْمَة احْتِمَال مثل ذَلِك.
قَالَ أَبُو عصمَة: فَحَدثني الْحسن بن مسلمة، كَاتب خُزَيْمَة، قَالَ: نظر خُزَيْمَة إِلَى هَذَا الرجل فِي دَاره، وَكَانَ قد لقِيه فِي الطَّرِيق، فخاطبه قبل ذَلِك بِيَوْم، وأضجره، وَوَافَقَ من خُزَيْمَة ضجرا بِشَيْء حدث من أُمُور المملكة، مَعَ مَا فِيهِ من الجبروتية وَالْكبر.
فحين خاطبه الرجل صَاح فِيهِ، وَأمر بِإِخْرَاجِهِ من دَاره إخراجا عنيفا، ثمَّ دَعَاني، فَقَالَ: وَالله، لَئِن دخل هَذَا دَاري، لَأَضرِبَن عُنُقه، وَلَئِن وقف لي على طَرِيق، أَو كلمني فِي دَار السُّلْطَان، لَأَضرِبَن عُنُقه، فَأخْبرهُ بذلك، وحذره، وَتقدم إِلَى البوابين والحجاب بِمَنْعه، وَكَانَ خُزَيْمَة إِذا وعد أَو توعد، فَلَيْسَ إِلَّا الْوَفَاء.