هذا أبو تراب النخشبي , فأعتذروا إليَّ , فحملني رجل منهم منزله , وقدم إليَّ خبزا وبيضا , فقلت في نفسي: كلي بعد سبعين درة ".
وقال بعضهم: أشتهى أبو الخير العسقلاني , رضي الله تعالى عنه , السمك سنين ثم ظهر له ذلك من موضع حلال , فلما مدّ يده إليه ليأكل دخلت شوكة من عظامه أصبعه , فذهبت في ذلك يده , فقال ك " يا رب , هذا لمن مد يده بشهوة إلى حلال فكيف بمن مد يده بشهوة إلى حرام؟ ".
كما رووا عن أبي الخير الأقطع أنه " عقد مع الله عقداً أن لا يمد يده إلى شيء مما تنبت الأرض بشهوة , فنسي وتناول عنقودا من شجرة البطم , فبينما هو يلوكه إذ تذكر العقد فرمى بالعنقود وبقي ما في فمه , فبصقه وجلس نادما , قال: فما أستقر بي الجلوس حتى دار بي فرسان ورجال وقالوا: قم. فساقوني إلى أن أخرجوني إلى ساحل بحر إسكندرية! فرأيت هناك أميرا وبين يديه سودان قد قطعوا الطريق فوجدوني أسود اللون ومعي ترس وحربة فقالوا: هذا منهم بلا شك , فقطع أيديهم وأرجلهم إلى أن وصل إليّ فقال لي: قدّم يدك , فمددتها ثم رفعت رأسي وقلت: إلهي وسيدي ومولاي , يدي جنت فرجلي ماذا صنعت؟
فدخل عليه فارس ورمى بنفسه على الأمير وقال: هذا رجل صالح يعرف بأبي الخير التبناتي , فرمى الأمير نفسه إلى الأرض وأخذ يدي المقطوعة من الأرض يقبلها , وتعلق بي يبكي ويعتذر إلي , فقلت له: جعلتك في حل من أول ما قطعتها , وقلت: يد جنت فقطعت (١).
فهكذا حرّم الصوفية على أنفسهم أكل الطيبات وابتعدوا عنها زعماً منهم أن هذا الصنيع سيرقبهم إلى الله تعالى , وأنى لهم ذلك.
هذا وكتب السهروردي أن الصوفية عودوا أنفسهم بتقليل المطعم حتى رد بعضهم نفسه إلى أقلّ قوتها , فيقول:
(١) أنظر طبقات الشعراني ج١ ص ١٠٩ , خزينة الأصفياء ص ١١٠ ط باكستان.