ونائبَ السلطنة بالقدس الشريف توجَّه إلى الأبواب الشريفة في تاسع عشرين المحرم، فلما وصل إلى الخدم الشريفة، بقي هناك مدة، وحصل له الإنعام الشريف باستمراره في وظيفته، وأُلبس التشريف، ودخلها في بكرة يوم الخميس، ثاني عشرين ربيع الآخر، وكان يومًا كثير المطر لم يُر مثلُه في شتاء هذا العام، وركب الناس للقائه من القضاة والأعيان، واستمر المطر ينزل عليهم من عند خان الملك الظاهر بيبرس وإلى دار النيابة، ودخل صحبته القاضي برهان الدين الجوهري، وعليه خلعة كاملية بفرو سمور، ولم يعهد دخول حاكم لبيت المقدس في مثل هذا اليوم إلا في سنة سبع وسبعين وثمان مئة لما توفي الأمير دقماق الأينالي نائب القدس الشريف - المتقدم ذكره في ترجمة مولانا السلطان -، واستقر بعده في النيابة جقمق الظالم العاجز، فدخل إلى القدس الشريف في شهر رمضان من السنة المذكورة، في يوم كثير المطر كهذا اليوم.
وفي ثاني يوم دخول الأمير جان بلاط إلى القدس الشريف، وهو نهار الجمعة، الموافق لآخر يوم من كانون الثاني، وقع الثلج بالقدس الشريف مرّة ثالثة، واستمر ينزل من وقت صلاة الجمعة إلى بعد الظهر من يوم السبت، حتى بقي حجمه فوق الأرض أكثر من ذراع، وامتلأت الشوارع والأسطحة منه، وانزعج الناس لذلك خشية الضرر منه، وأصبح إلى يوم الأحد، وأغاث الله عباده بنزول الغيث الغزير من بعد الظهر من يوم الأحد إلى آخر ليلة الاثنين، فأزال الثلج، حتى لم يبق منه إلا القليل، ثم وقع الهدم في الأماكن، فسقط كثير من الدور والأبنية.