للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كالأُس، والشرع كالبناء، ولن يغني أسٌّ ما لم يكن له بناء، ولن يثبت بناءٌ ما لم يكن له أسٌ.

وأيضًا العقل كالبصر والشرع كالنور ولن يغني البصر ما لم يكن نور من خارج، ولن يغني النور ما لم يكن له بصر.

كما قال الله تعالى: ﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ *يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ *﴾ [المائدة].

وأيضًا العقل كالسراج والشرع كالزيت الذي يمده، فإن لم يكن زيت لم يحصل السراج، وما لم يكن سراج، ولم يضئ الزيت.

كما قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقَيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [النور: ٣٥]، والله هو الهادي.

وأيضًا الشرع عقل من خارج، والعقل شرع من داخل، وهما متعاضدان بل متحدان، ولكون الشرع عقلاً من خارج سلب الله تعالى اسم العقل من الكافر في غير موضع من القرآن (١).

وجاء في موضعين من القرآن الإشارة إلى أن الهداية بالشرع، لا بالعقل، كما في قوله تعالى في سورة الأنبياء آية [٧٣]، وسورة السجدة ﴿يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ آية [٢٤].

وقد أخبر تعالى بأن هدايتهم بما أمر به على لسان رسوله لا بمقتضى عقولهم، وآرائهم وسياساتهم وأذواقهم وتقليد أسلافهم بغير برهان من الله؛ لأنه قال: ﴿يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ [الأنبياء: ٧٣] (٢).


(١) يُنظر: تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين، للراغب الأصفهاني (١/ ٧٣ - ٧٤).
(٢) يُنظر: رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه (١/ ١٨).

<<  <   >  >>