للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن من اقتفى آثارهم كان متسببًا إلى تكثير أجورهم؛ باتباعه لهم، ودعوته الناس إلى اتباعهم، فإذا أعرض عما دعوا إليه، واشتغل بضده، حرم نفسه وحرمهم ذلك الأجر، فأي تعظيم لهم واحترام في هذا (١).

١٠ وردّ الأمير الصنعاني (ت: ١١٨٢ هـ) على من يحتج بفعل الكثرة في إحياء الشرك ووسائله عند القبور والمشاهد قائلاً: فإن قلتَ: هذا أمرٌ عَمَّ البلادَ، واجتمعت عليه سكان الأغوار والأنجاد، وطبَّق الأرض شرقًا وغربًا، ويَمنًا وشامًا، وجنوبًا وعَدَنًا، بحيث لا تجدُ بلدةً من بلاد الإسلام إلاَّ وفيها قبور ومشاهد وأحياء، يعتقدون فيها ويعظِّمونها وينذرون لها، ويهتفون بأسمائها ويحلفون بها، ويطوفون بفناء القبور، ويُسرجونها ويلقون عليها الأوراد والرياحين، ويُلبسونها الثياب، ويصنعون كلَّ أمر يقدرون عليه من العبادة لها، وما في معناها من التعظيم والخضوع والخشوع والتذلُّل والافتقار إليها.

بل هذه مساجد المسلمين غالبُها لا يخلو عن قبر أو قريب منه، أو مَشهد يقصده المصلُّون في أوقات الصلاة، يَصنعون فيه ما ذكِر أو بعض ما ذكر، ولا يَسَعُ عقلُ عاقل أنَّ هذا منكرٌ يبلُغُ إلى ما ذكرتَ مِنْ الشناعة، ويَسكتُ عليه علماءُ الإسلام الذين ثبَتت لهم الوَطأة في جميع جهات الدنيا.

قلتُ: إن أردتَ العدلَ والإنصافَ، وتركتَ متابعة الأسلاف، وعرفتَ أنَّ الحقَّ ما قام عليه الدليلُ، لا ما اتَّفق عليه العوالِم جيلاً بعد جيل، وقَبيلاً بعد قبيل، فاعلم أنَّ هذه الأمور التي ندَندِنُ حولَ إنكارِها، ونسعى في هَدم منارها، صادرةٌ عن العامة الذين إسلامهم تقليدُ الآباء بلا دليل، ومتابعتهم لهم من غير فرق بين دبير وقبيل، ينشأ الواحدُ فيهم فيجِدُ أهلَ قريته وأصحاب بلدته يُلَقِّنُونه في الطفولية أن يَهتِفَ باسم مَنْ يعتقدون فيه، ويراهم يَنذرون عليه، ويعظِّمونه، ويرحلون به إلى مَحلِّ قبره، ويلطخونه بترابه، ويجعلونه طائفًا على قبره، فيَنشأ وقد قَرَّ في قلبه عظمةُ ما يعظِّمونه، وقد صار أعظم الأشياء عنده مَنْ يعتقدونه.

فنشأ على هذا الصغير، وشاخَ عليه الكبيرُ، ولا يسمعون مِنْ أحد عليهم من نكير؛ بل تَرَى مِمَّنْ يتَّسِم بالعلمِ، ويَدَّعِي الفضلَ، وينتصب للقضاء والفتيا


(١) إغاثة اللهفان (١/ ٣٨٥ - ٣٨٦).

<<  <   >  >>