للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين: فتنة القبور، وفتنة التماثيل، وهما الفتنتان اللتان أشار إليهما رسول الله في الحديث المتفق على صحته عن عائشة : أن أمّ سَلَمَة ذكرت لرسول الله كَنِيسة رأتها بأرضِ الحبشة يقال لها: ماريةُ، فذكرتْ له ما رأت فيها من الصور، فقال رسول الله : «أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح؛ بَنَوْا على قَبره مسْجدًا، وصوّروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله» (١) … فجمع في هذا الحديث بين التماثيل والقبور (٢).

وقال : ولا تحسبْ أيّهُا المُنْعَمُ عليه باتباع صراط الله المستقيم، صراط أهل نعمته ورحمته وكرامته أن النهي عن اتخاذ القبور أوثانًا وأعيادًا وأنصابًا، والنهي عن اتخاذها مساجد، وبناء المساجد عليها، وإيقاد السُّرج عليها، والسفر إليها، والنذر إليها، واستلامها، وتقبيلها، وتعْفِير الجِباه في عَرَصاتها: غَضٌّ من أصحابها، ولا تنقيصٌ لهم، كما يحسبه أهل الإشراك والضلال؛ بل ذلك من إكرامهم، وتعظيمهم، واحترامهم، ومتابعتهم فيما يُحبونه، وتجنُّب ما يكرهونه، فأنت والله وليُّهم ومُحِبّهم، وناصر طريقتهم وسُنَّتهم، وعلى هَدْيهم ومنهاجهم، وهؤلاء المشركون أعصَى الناس لهم، وأبعدهم من هَدْيهم ومتابعتهم، كالنصارى مع المسيح ، واليهود مع موسى ، والرافضة مع علي .

فأهل الحق أوْلىَ بأهل الحق من أهل الباطل، فالمؤمنون بعضهم أولياء بعض، والمنافقون بعضهم من بعض.

فاعلم أن القلوب إذا اشتغلت بالبدع أعرضت عن السنن، فتجد أكثر هؤلاء العاكفين على القبور معرضين عن طريقة من فيها وهديه وسُنَّته، مشتغلين بقبره عما أمر به ودعا إليه! وتعظيم الأنبياء والصالحين ومحبتهم إنما هو باتباع ما دعوا إليه من العلم النافع والعمل الصالح، واقتفاء آثارهم، وسلوك طريقتهم، دون عبادة قبورهم، والعكوف عليها، واتخاذها أعيادًا.


(١) تقدّم تخريجه راجع فضلاً (٣٠٢).
(٢) إغاثة اللهفان (١/ ٣٣٠ - ٣٣٣).

<<  <   >  >>