عند الملك الطيثار لا يدري أين يضع قدمه من الإفتكار حتى وصل إلى منزله واختلى في فكره بعمله وفرغ للمخلص من هذه الورطة طرقاً وتفرقت رواد أفكاره في منازل الخلاص فرقاً فأدى نصيب الرواد من الآراء ومفيد القصاد من الشورى
إلى السعي في مصالحة أبو نوفل وإزالة ما وقع من الغبر في وجوه الصداقة وتخلل ثم أدى إفتكاره وأورى من زند رأيه شراره إلى أن الذي وقع منه قد اشتهر وعلم به أصحاب البدو والحضر فإذا طلب من بعده الصلح فذلك في غاية القبح إذ كل من في حجره حجز يتحقق إن ذلك خور وعجز فصار يتردد بين هذه الأفكار ويتأمل ما فيها من تحقيق الأنظار وتدقيق الأسرار فبينما هو في بحر الافتكار يلطمه الموج ويصدمه التيار دخل عليه صفي له صافي الوداد وهو ظبي أغر يدعى مبارك الميلاد ذكي الجنان فصيح اللسان دقيق النظر عميق الفكر ذو رأي صواب وشفقة كاملة على الأصحاب فرآه مطرقاً إلى الأرض في فكر ذي طول وعرض فسلم عليه وتقدم بالسؤال إليه عن نشور باله وتوزع حاله فطلب الوقوف على ما ناله لينظر عاقبة أمره ومآله فأخبره بموجب ذلك وأنه قد سدت في وجهه المسالك فقال مبارك الميلاد يا صحيح الوداد أنت قد زعمت أن مولانا السلطان قد ترك أبا نوفل الندمان وطرحه إطراحاً لا رجعة فيه وأنه بعد اليوم لا يذكره ولا يدينه وإن عثرته لا تقال وغصته لا تزول وقصته لا تزال هيهات هيهات يا أبا الترهات الملوك إن لم يعرفوا حقوق خدمهم ولم يثبتوا في ديوان إحسانهم قدم قدمهم خصوصاً هذا الملك العظيم الذي أنفاس شيمه تحيي العظم الرميم ونحن قد وجينا عمرنا في خدمة وأذاقنا برد