ولم يزل بزرجمهر يراقب الأوقات وينظر في أحوال الساعات إلى أن استقام الطالع وزال من السعد المانع وتيمن الفال وحسن البال وحال الوبال فتوجه بزرجمهر إلى خدمة مخدومه وأخبره بما كان مخفياً من أمر الخاتم في جيب مكتومه وأنه سقط من أصبعه وهو على البركة في موضعه فبادرت بطة إلى الغطة فاختطفته وابتلعته بعد ما التقمته فأحضروا البط جميعه وذبحوا من عرضة واحدة بديعة فوجدوا الخاتم في حشاها ولم تحوج إلى ذبح سواها ثم سأل كسرى الحكيم الأديب لمَ لم يخبره بهذا الأمر الغريب في أول وقوعه وصدوره وما موجب تأخيره فقال: كان إذ ذاك الجد في انعكاس والسعد في انتكاس والطالع في سقوط والنجم في هبوط وأما الآن فالطالع واستقام والسعد كالخادم أقام ونجم السعود قد حال عنه الهبوط والوبال وفي استقامة السعد وإقباله من بعد يفعل الشخص ما شا فالدهر معه جار سواء جاري أو ماشي (وإنما أوردت) هذا النظير لتعلم أن معاندة التقدير أمر خطير وخطب عسير فربما يفرغ الإنسان جهده في المبالغة ويكون الأمر فيه ممانعة ومراودة فينعكس المرام ولم يحصل سوى إضاعة أيام ولم أذكر هذه المفاوضة إلا على سبيل العرض لا المعارضة لما علم منك من وفور الفضيلة وإن مقاصدك على كل حال جميلة فقال أخو نهشل الأمر كما زعمت وأشرت به ورسمت ولكن خشيت أن لم أبادر يسبقني عدوة غادر أو حسود ماكر أو مبغض مكابر فينهى المسامع ما ليس بواقع فلم نشعر أيها البطل إلا وقد ولج قلب الملك أنواع من مكر ودخل فيصير كما قيل:
أناني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلباً خالياً فتمكنا