ما لي عزم أن آخذها بالكلية، واتفق بيع التبن، وكسبت فيه أكثر من مقدار ثمنه، وأحضرت له الدراهم فامتنع من أخذها فحلفت بمغالظات الأيمان أنه لا بد من أخذها فأخذها، وهو كاره رحمه الله. وسافرت مع أخي رحمه الله إلى الديار المصرية في سنة تسع وخمسين وست مائة، فاجتزنا بغزة في شهر رمضان المعظم، وهو ناظر تلك الأعمال، وكنت أنا مفطر لرخصة السفر، ونزلنا عنده أياماً فكان في كل نهار يتقدم إلى طباخه أن يطبخ في النهار طعاماً لأجلي، فكان يطبخ من الألوان الفاخرة ما يكفي جماعة كثيرة، وكنت أسأله اختصار ذلك فيأبى إلا كرماً وتفضلاً رحمه الله. ونسخ في آخر عمره من كتب الأحاديث الشريفة النبوية صلوات الله وسلامه على قائلها وغير ذلك شيئاً كثيراً، وكان يكتب في يومه الكراستين والثلاثة، وكان ينظم الشعر. وليس بذاك. فمن شعره ما نقلته من خط سبطه قاضي القضاة نجم الدين أحمد بن محمد بن سالم ابن صصرى الثعلبي أيده الله تعالى. قال: أنشدني جدي يشير إليه رحمه الله لنفسه:
يا شامتاً بمصاب من هو ضده ... كأس الردى من بعده هو عنده
لا تشمتن فقد مضى لسبيله ... وبقيت أنت تخافه وتعده
قال وأنشدني لنفسه، وقد سافر في شهر رمضان وكان زمن الخريف: