للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فهو إنكار أن يبلغ علمهم أمر الآخرة، وفيه معنى التقرير والتوبيخ لهم، وطلبهم علم ما لا يبلغونه أبدا، فالمعنى: هل أدرك علمهم في الآخرة، أي بعلم حدوث الآخرة، ومتى تكون، أي إنهم لم يدركوا علم الآخرة ووقت حدوثها. ودلّ على ذلك قوله: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ﴾ أي من علمها و «في» بمعنى الباء فالمعنى:

هل أدرك علمهم بالآخرة، أي: هل بلغ غايته فلم يدركوا علمها، ولم ينظروا في حقيقتها، والعمى عن الشيء أعظم من الشك فيه. وهو في حرف أبي (أم تدارك) (١) على معنى النفي.

«٢٩» وحجة من شدّد الدال أن أصله «تدارك علمهم»، فأدغم التاء في الدّال فسكن الأول، فدخلت ألف الوصل للابتداء، ومعناه: بل تلاحق علمهم بالآخرة، أي: جهلوا علم وقتها فلم ينفرد أحد منهم بزيادة علم في وقتها، فهم في الجهل لوقت حدوثها متساوون، وهو الاختيار، لأن الأكثر عليه (٢).

«٣٠» قوله: ﴿وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ﴾ قرأه ابن كثير بياء مفتوحة، وفتح الميم، ورفع «الصم» على الإخبار عنهم، فهو نفي السماع عنهم، فرفعهم كرفع الفاعل. والمعنى: أنهم لا ينقادون إلى الحق كما لا يسمع الأصمّ المعرض المدبر عن سماع ما يقال له [من] (٣) كلام من يكلّمه، فلم يكفه أنّه معرض عما يقال له حتى وصفه بالصمم.

فهذا غاية امتناع سماع ما يقال له، فيشبههم في إعراضهم عن قبول ما يقال لهم من الإسلام والكتاب بدعاء الأصم المعرض المدبر عن الشيء. وقرأ الباقون بتاء مضمومة، وكسر الميم، ونصب «الصم»، ردّوه (٤) على ما قبله من الخطاب لمحمد ، في قوله: ﴿إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى﴾، فجرى الثاني على لفظ


(١) فضائل القرآن لأبي عبيد ٨٤ /ب، وتفسير مشكل إعراب القرآن ١٧٦ /أ.
(٢) معاني القرآن ١/ ٤٣٧، وإيضاح الوقف والابتداء ١٧٨، وزاد المسير ٦/ ١٨٨، وتفسير ابن كثير ٣/ ٣٧٣، وتفسير غريب القرآن ٣٢٦.
(٣) تكملة لازمة من: ر.
(٤) ب: «رده» وتوجيهه من: ص، ر.