وإنما وجد فيهم، من تقع له أوهام وأغلاط، والضعفاء فيهم قليلون، فتكلم العلماء منهم في الواحد بعد الواحد ممن كان من دعاة المذاهب الخارجة والنحل الغالية
-وفي عصر أوساط التابعين، في أوائل القرن الثاني، وجد فيهم من الضعفاء مَن يقع منه رفع الموقوف ووقف المرفوع، ورواية المرسل، ومن يكثر خطؤه كأبي هارون عمارة بن جوَين العبدي
-وكثر في عصر صغار التابعين، في حدود الخمسين بعد المائة، ظهور الفرق السياسية، والعناصر الفلسفية، وازداد التعصب، فظهر الكذب، ولزم من ذلك أن يتكلم العلماء في الرجال، وأن يتسع النظر في الجرح والتعديل، خصوصاً وقد كثر بعد ذلك في أتباع التابعين، من يعتمد الكذب في عصرهم - فنظر شعبة، ومالك، ومعمر، وهشام الدّسْتَوائي. ثم ابن المبارك، وهشيم، وابن عيينة، ومن بعدهم، يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي - وأول من جمع كلامه في ذلك: يحيى بن سعيد ثم تلامذته مثل يحيى بن مَعين وعلي بن المَدِيني، وأحمد بن حنبل، ثم تلامذتهم: كالبخاري ومسلم، وأبي زرعة، وأبي حاتم، ثم تلامذتهم: كالترمذي، والنسائي. إلى آخر عصر الرواية، في حدود الثلاثمائة (١).
ودونت الكتب في هذا الفن، مع ما دون من العلوم في عصر التدوين، وتتابع العلماء في خدمة السنة وعلومها: حتى نضج علم الحديث، واحترق، ولم يبق لمتأخر كبير عناية في معرفة السنة، من العلماء، ومعرفة صحيحها من سقيمها، ونبه العلماء على مراتب ما اشتهر من الأحاديث، وميزوا المكذوب منها عن المقبول، غير أن بعض المتقدمين كان ينص على الحديث الموضوع، وينذِر مَن رواه لغير التعليم، بالعذاب الشديد في الآخرة، والنكال في الدنيا، كما كان من البخاري فإنه كتب على حديث موضوع: من حدث بهذا استوجب الضرب الشديد، والحبس الطويل. وروى بعض العلماء المحدثين شيئاً في كتبهم من الأحاديث الموضوعة: مثل أبي نُعَيم، والطبراني، وابن مَندة، والحكيم الترمذي، وأبي الليث السَمَرْقندي. من غير نص على