للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأِنَّه إذا لم يمكن (١) دَفْعُ البُغاة إلاَّ بقَتلِهم؛ جاز، ولا شَيءَ على قاتِلِهم مِنْ إثْمٍ، ولا ضَمانٍ، ولا كفَّارةٍ؛ لأِنَّه فَعَلَ ما أُمِرَ به؛ كما لو قَتَلَ الصَّائلَ عَلَيهِ.

(وَهَلْ يَضْمَنُ (٢) الْبُغَاةُ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فِي (٣) الْحَرْبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحداهما: لا ضَمانَ، قدَّمها في «الكافي» و «الفروع»، ونَصَرَها في «الشَّرح» والقاضِي في «الخلاف»، وصحَّحها؛ لقَولِ الزُّهْرِيِّ: (هاجَتِ الفتنةُ وأصْحابُ رسولِ اللهِ متوافرون (٤)، فأجْمَعُوا أنْ لا يُقادَ أحدٌ، ولا يُؤخَذَ مالٌ، على تأويلِ القرآن إلاَّ ما وُجِدَ بِعَينِه)، ذَكَرَه أحمدُ في رِوايةِ الأثْرَمِ، واحتجَّ به، رَواهُ الخَلاَّلُ (٥)، قال القاضي: وهذا إجْماعٌ منهم مَقطوعٌ به، ولأنَّ (٦) تضمينهم (٧) يُفْضِي إلى تَنفِيرهم من الرُّجوع إلى الطَّاعة، فسقط (٨)؛ كأهْلِ الحَرْب، وكأهْلِ العَدْل.

والثَّانِيَةُ: يَضمَنُونَ، جَزَمَ بها في «الوجيز»؛ لقولِ أبي بكرٍ لأِهْلِ الرِّدَّة: «يُودُونَ قَتْلَانا، ولا نَدِي (٩) قَتْلاكُم» (١٠)،


(١) في (م): لم يكن.
(٢) في (م): تضمن.
(٣) في (ن): من.
(٤) في (م): متواترون.
(٥) ينظر: السنة للخلال ١/ ١٥١، زاد المسافر ٤/ ٣٩٧.
(٦) في (م): ولا.
(٧) قوله: (تضمينهم) سقط من (م).
(٨) في (ن): يسقط.
(٩) في (ن): ولا تؤدي.
(١٠) أخرجه سعيد بن منصور (٢٩٣٤)، وابن أبي شيبة (٣٢٧٣١)، وأحمد في فضائل الصحابة (١٦٩٨)، والطبراني في الأوسط (١٩٥٣)، من طريق قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: «جاء وفد أهل الردة من أسد وغطفان يسألون أبا بكر الصلح، فخيرهم، إما حرب مجلية، وإما سلم مخزية، قالوا: أما حرب مجلية فقد عرفناها، فما سلم مخزية؟ قال: تدون قتلانا، ولا نَدِي قتلاكم، وتشهدون على قتلاكم أنهم في النار وتردون إلينا من أخذتم منا، ولا نرد إليكم ما أخذنا منكم، وننزع منكم الحلقة والكراع، وتتركون تتبعون أذناب الإبل حتى يري الله خليفة رسول الله والمؤمنين رأيًا يعذرونكم عليه» فقال عمر: أما ما قد قلت فكما قلت، لكن قتلانا قتلوا في الله، أجورهم على الله لا دية لهم»، وإسناده صحيح، وأخرج البخاري طرفًا منه (٧٢٢١)، وله طرق أخرى منها: ما أخرجه ابن ابن شيبة (٢٨٩٤٥)، والبيهقي في الكبرى (١٦٧٦٢)، من طريق سفيان بن حسين، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: «لما ارتد من ارتد على عهد أبي بكر ، أراد أبو بكر أن يجاهدهم … ، وفيه: «تشهدون على قتلانا أنهم في الجنة وعلى قتلاكم أنهم في النار … »، وسفيان يخطئ في حديث الزهري.
وأخرج ابن أبي شيبة (٣٢٧٣٠)، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، قال: «ارتد علقمة بن علاثة عن دينه بعد النبي ، فقاتله المسلمون، قال: فأبى أن يجنح للسلم، فقال أبو بكر : لا يقبل منك إلا سلم مخزية أو حرب مجلية … » فذكره نحوه، وعاصم بن ضمرة صدوق.