للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخس حالًا منهم في الباطن في أن الكلام لا يكون إلا حرفًا وصوتًا، ذا تأليفٍ واتساقٍ، وإن اختلفت به اللغات …

فالإجماع منعقد بين العقلاء على كون الكلام حرفًا وصوتًا، فلما نبغ ابن كلاب وأضرابه وحاولوا الرد على المعتزلة من طريق مجرد العقل وهم لا يخبرون أصول السنة، ولا ما كان السلف عليه، ولا يحتجون بالأخبار الواردة في ذلك زعمًا منهم أنها أخبار آحاد وهي لا توجب علمًا، وألزمتهم المعتزلة أن الاتفاق حاصل على أن الكلام حرف وصوت، ويدخله التعاقب والتأليف، وذلك لا يوجد في الشاهد إلا بحركة وسكون … وما كان بهذه المثابة لا يجوز أن يكون من صفات ذات الله؛ لأن ذات الله سبحانه لا توصف بالاجتماع والافتراق، والكل والبعض، والحركة والسكون …

فضاق بابن كلاب وأضرابه النفس عند هذا الإلزام؛ لقلة معرفتهم بالسنن وتركهم قبولها وتسليمهم العنان إلى مجرد العقل، فالتزموا ما قالته المعتزلة وركبوا مكابرة العيان، وخرقوا الإجماع المنعقد بين الكافة المسلم والكافر، وقالوا للمعتزلة: الذي ذكرتموه ليس بحقيقة الكلام، وإنما سمى ذلك كلامًا على المجاز لكونه حكاية أو عبارة عنه، وحقيقة الكلام: معنى قائم بذات المتكلم» (١).

ولهذا اتفق أهل السنة من أصحاب المذاهب الأربعة وأعيان أصحابهم ومن قبلهم وبعدهم من أهل السنة أن القرآن كلام الله بلفظه ومعناه، وأن الله تكلم به على الحقيقة، بسوره وآياته وحروفه، وبدَّعوا مَنْ قال: إن القرآن حكاية عن كلام الله. كما هو قول ابن كلاب، أو عبارة عن كلام الله. كما هو قول الأشعري.


(١) الرد على مَنْ أنكر الحرف والصوت (ص ٨٠ - ٨٢).

<<  <   >  >>