ثم إن نقل أقوال العلماء في نقد أبي حنيفة، إن كان موجبًا للطعن على الناقل فالطعن على المتكلم بها أشد، وقد تقدم أن الذي تكلم في أبي حنيفة أئمة كبار.
الوجه الرابع: قول المالكي: «كما أن ظلمنا في تكفير أبي حنيفة … يجعلنا نتوقف في ظلمنا فرقًا أخرى؛ كالشيعة، والمعتزلة، والصوفية، والأشاعرة وغيرهم».
هذا من لبس الحق بالباطل؛ فإن دعواه تكفير أبي حنيفة بالظلم هذه دعوى باطلة، وإنما جاء إطلاق الكفر في أثر أو أثرين نُسبا إلى حماد بن أبي سليمان ولا يثبتان عنه (١)، ولو ثبتا فحماد بن أبي سليمان كوفي من شيوخ أبي حنيفة، فلا مطعن في هذا على الحنابلة.
وكذلك مقارنته بما شذ من أقوال في نقد أبي حنيفة بما أطبق عليه السلف من ذم أهل البدع وتكفير بعضهم، فهذا أيضًا من التلبيس الذي ما أراد به إلا الانتصار لأهل البدع ونبذ ما جاء عن السلف من التحذير منهم وفضحهم.
الوجه الخامس: أن الإمام أبا حنيفة وإن تكلم فيه بعض الأئمة في بداية الأمر، إلا أنه لم يلبث الناس حتى أجمعوا على فضله، وأطبقوا على إمامته.
وأما مَنْ ذكر مِنْ أهل البدع فمن يوم أن عرفوا وظهروا ببدعهم، وأئمة أهل السنة من الحنابلة وغيرهم مجمعون على تضليلهم وتبديعهم إلى اليوم، لا يشك في ذلك عالم بالسنة.
فقياس أهل البدع والضلال على إمامٍ من أئمة السنة من أعظم الظلم والبغي، والتمويه على الناس، وقلب الحقائق.