أثبت من حيث الرواية، فإن معمرا أثبت من حماد، فإن حماداً تكلم في حفظه ووقع في أحاديثه مناكير، ذكروا أن ربيبه دسها في كتبه وكان حماد لا يحفظ فحدث بها فوهم فيها، ومن ثم لم يخرج له البخاري شيئا، ولا خرج له مسلم في الأصول إلا من رواتيه عن ثابت (قال الحاكم) في المدخل ما خرج مسلم لحماد في الأصول من حديثه عن ثابت، وقد خرج له في الشواهد عن طائفة، وأما معمر فلم يتكلم في حفظه ولا استنكر شيء من حديثه، واتفق على التخريج له الشيخان فكان لفظه أثبت، ثم وجدنا الحديثورد من حديث سعد بن أبي وقاص بمثل لفظ رواية معمر عن ثابت عن أنس، فأخرج البزار والطبراني والبيهقي من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه أن إعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أين أبي؟ قال في النار، قال فأين ابوك؟ قال حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار، وهذا إسناد على شرط الشيخين فتعين الاعتماد على هذا اللفظ وتقديمه على غيره، وقد زاد الطبراني والبيهقي في آخره قال فأسلم الأعرابي بعد فقال كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبا، ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار، فهذه الزيادة أوضحت بلا شك أن هذا اللفظ عام هو الذي صدر منه صلى الله عليه وسلم ورآه الأعرابي بعد إسلامه أمرا مقتضيا للامتثال فلم يسمعه إلا امتثاله، ولو كان الجواب باللفظ الأول لم يكن فيه أمر بشيء البتة، فعلم أن هذا اللفظ العام هو الذي صدر منه صلى الله عليه وسلم ورآه الأعرابي بعد إسلامه أمرا مقتضيا للامتثال فلم يسمعه إلا امتثاله، ولو كان الجواب باللفظ الأول لم يكن فيه أمر بشيء البتة، فعلم أن هذا اللفظ الأول من تصرف الراوي رواه بالمعني على حسب فهمه، وقد وقع في الصحيحين روايات كثيرة من هذا النمط فيها لفظ تصرف فيه الراويوغيره أثبت منه، كحديث مسلم عن أنس في نفي قراءة البسملة، وقد أعله الإمام الشافعي رضي الله عنه بذلك، وقال إن الثابت من طريق آخر نفي سماعها، ففهم منه الراوي نفي قراءتها فرواه بالمعنى على ما فهمه فأخطأ، ونحن أجبنا عن حديث مسلم في هذا المقام بنظير ما أجاب به إمامنا االشافعي رضي الله عنه عن حديث مسلم في نفي قراءة البسملة، ثم لو فرض اتفاق الرواة على اللفظ الأول كان معارضا بما تقدم من الأدلة؛ والحديث الصحيح إذا عارضه أدلة أخرى هي أرجح منه وجب تأويله وتقديم تلك الأدلة عليه كما هو مقرر في الأصول (قال السهيلي) في الروض الانف بعد إيراده حديث مسلم، وليس لنا نحن أن نقول ذلك في أبويه صلى الله عليه وسلم لقوله "لا تؤذوا الأحياء بسبب الأموات" وقال الله تعالي "إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا"(وسئل القاضي) أبو بكر ابن العربي أحد أئمة المالكية عن رجل قال إن أبا النبي صلى الله عليه وسلم في النار؟ فأجاب بأن من قال ذلك فهو ملعون لقوله تعالى "إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة" قال ولا أذى أعظم من أن يقال عن أبيه إنه في النار (ومن العلماء من ذهب إلى قول خامس) وهو الوقف، قال الشيخ تاج الدين الفاكهاني في كتابه الفجر المنير الله أعلم بحال أبويه أهـ