للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله) [يونس ٣٩] فالنبي وجماعة أصحابه قد أحاطوا بعلمه بمعناه لأن النبي كان يتلو عليهم آيات الله ويعلمهم الكتاب والحكمة، وتأويل ذلك أي وقوعه منه ما رأوا ومنه ما لم يدركوه. فما وافق العتيق من ذلك قلنا هذا تأويل ما كانوا يعرفون، وما ليس منه فهو رد، أي لا يدّعى أنه مراد الله في الآية، ثم يُخَلّى أهلُ التجربة وملاحظهم.

ولو تشاء تبلو منهم زلات وهَنَات، كما ذهب بعضهم إلى دراسة "خصائص الجمل" وقال لم التنصيص عليه دون الحيوان في قول الله تعالى (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) قال لم ينص عليه إلا لإعجاز فيه خاصة. وقد كانت العرب في أشعارها الأولى تتفنن في وصف الإبل وتتأملها فخاطبهم الله بما اعتادوه تيسيرا للفهم (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) [القمر ١٧].

وليس لقائل أن يقول: إن فهم القرآن يطلب من كل الناس لأن القرآن جاء للناس جميعا، وهو يقرأ في الكتاب أنه منزل بلسان قوم النبي . إذ الخطاب كان للعرب خاصة، والتكليف كان لعموم الخلق، فلا تُسَوِّ بين الخطاب والتكليف. قال ربنا تعالى شأنه في عموم الشريعة (وما أرسلناك إلا كافة للناس) [سبأ ٢٨] هذا في لزوم الشريعة للخلق. وقال في خصوص فهم الخطاب (فإنما يسرناه بلسانك) [مريم ٩٧] ونظائرها.

فمن حمل على لفظ في القرآن أو الحديث معنى لا يعرفه العربي، أو أدخل في العموم ونحوه ما لا يعرفون كان من عجمته. ولا يصلح التصرف في لغة العرب، لذلك كان القياس و"توليد الألفاظ" في اللغة بدعة باطلة (١)، وإنما تؤخذ العربية بالسماع (٢).


(١) - روى الخطيب البغدادي [تاريخ بغداد ١٣/ ٣٣٢] بسند صحيح عن إبراهيم الحربي قال: كان أبو حنيفة طلب النحو في أول أمره فذهب يقيس فلم يجئ، وأراد أن يكون فيه أستاذا فقال: قلب وقلوب وكلب وكلوب. فقيل له: كلب وكلاب! فتركه ووقع في الفقه، فكان يقيس ولم يكن له علم بالنحو فسأله رجل بمكة فقال له: رجل شج رجلا بحجر فقال: هذا خطأ ليس عليه شيء لو أنه حتى يرميه بأبا قبيس لم يكن عليه شيء اه ليس القصد الإزراء على رجل لحن، ولكن التنبيه على أن مأخذ اللغة بالسماع لا القياس ..
(٢) - قال ابن فارس بعد أن قرر جريان الاشتقاق في لغة العرب: وليس لنا اليوم أن نخترع ولا أن نقول غير ما قالوه ولا أن نقيس قياسا لم يقيسوه، لأن في ذلك فساد اللغة وبطلان حقائقها. ونكتة الباب أن اللغة لا تؤخذ قياسا نقيسه الآن نحن اه [الصاحبي في فقه اللغة باب القول على لغة العرب هل لها قياس وهل يشتق بعض الكلام من بعض]

<<  <   >  >>