من فقه ابن عمر القائل:" كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة ". فلا تشبه فقهه والله أعلم. وعلى تقدير الثبوت فقد علمت وجه ذلك من حيث الجملة.
كذلك قول عمر رحمة الله عليه " نعمت البدعة هذه " فإن أحسن ما قيل فيه أنه ما قالها قاصدا تسميتها بالبدعة، وإنما سماها كذلك تنزلا وتجوزا في الكلام كما دلت رواية نوفل بن إياس " إن كانت هذه بدعة لنعمت البدعة "، وهما بمعنى واحد، كنحو قول الله تعالى إن شاء الله (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين)[الزخرف ٨١] وقالت ليلى الأخيلية:
ونِعم الفتى إن كان توبةُ فاجراً وفَوْقَ الفَتَى إنْ كانَ ليْسَ بفَاجِرِ
أي إن زعمتموه فاجرا فنعم الفاجر. ومنه ما قال ابن عمر لابن الزبير: أما والله لأمة أنت أشرها لأمة خير اه رواه مسلم [٦٦٦٠] من طريق يعقوب بن إسحاق الحضرمي أخبرنا الأسود بن شيبان عن أبي نوفل، ورواه غسان بن عبيد الموصلي بمعناه فقال: والله لأمة أنت شرها لنعم تلك الأمة اه رواه ابن الأعرابي في معجمه [١٤٤٣] من طريق غسان أخبرنا الأسود بن شيبان. كلمة قالها ردا على أراجيف بني أمية على ابن الزبير. ومنه ما روى البخاري [٤١٦٣] عن طارق بن عبد الرحمن قال: انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلون، قلت: ما هذا المسجد. قالوا: هذه الشجرة حيث بايع رسول الله ﷺ بيعة الرضوان. فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته، فقال سعيد حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله ﷺ تحت الشجرة قال: فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها، فلم نقدر عليها. فقال سعيد: إن أصحاب محمد ﷺ لم يعلموها وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم اه فهذا إنكار منه لا إخبار، وكأنه قال: لستم أعلم منهم، فمعنى قول عمر نعمت البدعة هذه: ليست هذه بدعة.
لذلك أخرج الحديثَ حديث عمر مالكٌ في الموطأ وهو الحريص على ألا يخرج خبرا يُحتج به على البدع وقد عرفتَ أصوله رحمة الله عليه.
هذان الأثران عن عمر وابنه أسند ما احتجوا به من الرواية عن الصحابة في وصف البدعة بالحسن وليس في شيء منها حجة كما عرفت. وبالله التوفيق.
فلا تتركن المحكمات إلى ما تشابه، لأن ما خالف السنن المستقرة فإما له وجه