للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنه لم يفعلها ولم يأمر بها؟ ولو كانت عنده من الخير لأمر به لأن المؤمنين يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف. أما قوله: "ولا أنهى عنها" فلأنه متردد في نسبة فعلها إلى النبي كما نبه قوله لمورق: "لا إخاله". أو لتردده في قصد ذلك الوقت بصلاة. وتوقف عن العمل لأنه الأصل، ولأنه لاحظ الترك كما تقدم. فقوله: " أحب إلي " لا يلزم منه إثبات المحبة لذلك، وهذا جار في لسانهم ففي القرآن (نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما) [طه ١٠٤] أي أقومهم وأعقلهم، وليس المعنى أنه عاقل مصيب. وقال يوسف (السجن أحب إلي مما يدعونني إليه) [يوسف ٣٣] وليس فيه إثبات المحبة للفاحشة ولا للسجن أصالة.

وروى عبد الرزاق [١٧٦٢] عن هشام بن حسان أنه سمع عكرمة يحدث عن ابن عباس قال: لأن أحمله - يريد الغائط - في ناحية من ردائي أحب إلي من أن أزاحم الغائط والبول اه صحيح.

وقال عبد الرزاق [٢١٤٨] عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب قال: لأن أنام عن العشاء أحب إلي من أن ألغو بعدها اه سند صحيح. ليس يعني محبته تنجيس الثوب والنوم عن العشاء.

ومثله ما روى أحمد [١٧٠١١] والمروزي [السنة ٩٧] واللالكائي [١٢١] بسند ضعيف (١) عن غضيف بن الحارث الثمالي أنه قال: بعث إلي عبد الملك بن مروان فقال: يا أبا أسماء إنا قد أجمعنا الناس على أمرين. قال: وما هما؟ قال: رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة، والقصص بعد الصبح والعصر. فقال: أما إنهما أمثل بدعتكم عندي، ولست مجيبك إلى شيء منهما. قال: لم؟ قال: لأن النبي قال: ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة. فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة اه ومنه قول عبد الرحمن بن أبي ليلى: ما ابتدعوا بدعة أحب إلي من التثويب في الصلاة. وقول عبد الله بن شبرمة: هو أحسن ما ابتدعوا، أي أهون (٢) فهذا تعريض لا


(١) - لأن مداره على أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني، وهو منكر الحديث [الجرح والتعديل ١٥٩٠].
(٢) - قال ابن تيمية: " قيل للإمام أحمد عن بعض الأمراء إنه أنفق على مصحف ألف دينار ونحو ذلك فقال دعه فهذا أفضل ما أنفق فيه الذهب أو كما قال مع أن مذهبه أن زخرفة المصاحف مكروهة ". [اقتضاء الصراط ٢٩٧]

<<  <   >  >>