للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من اليهود. وكانت القدرية بذرة مجوسية، ومن سلك في تعبده تعذيب النفس شابه فيها عباد الهند، والكلام والمنطق أخذ من اليونان، والسبائية أصل قولهم من عبد الله بن سبأ اليهودي، والاحتفال بالميلاد سنة النصارى، والتغني في الدعاء والتعبد بالمعازف سنة الرهبان، والتمايل عند قراءة القرآن مضاهاة لليهود في تلاوتهم، واتخاذ القبور والمشاهد مساجد سنة أهل الكتاب في أنبيائهم وصالحيهم .. وهكذا في بدع العلم والعمل منشأها من المغضوب عليهم أو الضالين، لذلك كان السلف الناصحون المؤصِّلون يسدون الذريعة متى ما ظهرت لهم المشابهة، وهذا إنما يكون إن شاء الله في الأعمال المطلقة غير الموقتة.

وقد ذكر الله في آيات معايب لأهل الكتاب من تتبعها وجد آثارها في هذه الأمة، وأولها النظر والاجتهاد في إحداث التعبد، فما أن ذهب موسى لميقات ربه حتى اتخذوا العجل بدعة وقالوا وما أقبح ما قالوا (هذا إلهكم وإله موسى فنسي) [طه ٨٨]، وقد كانوا يهمون بذلك وهو بين أظهرهم حتى إذا غاب عنهم عملوا، قال تعالى (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون. إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون. قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين) [الأعراف ١٣٨/ ١٤٠]. لذلك ذكر النبي هذه الآية للحدثاء في الدين لما سألوه ذات أنواط [ت ٢١٨٠] ولزم السنة السابقون الأولون العلماء الوارثون كما لزمها هارون النبي الوارث من قبل. وقول الذين استَضعفوا هارونَ النبيَّ الوارث وكادوا يقتلونه وخرجوا عليه بالرأي وهم يعلمون أن نبي الله موسى استخلفه وأمرهم باتباعه أشبه شيء بأمر الحرورية الذين خرجوا على الصحابة الوارثين الذين زكاهم الله ورسوله وأوصى باتباعهم .. فالخروج على العلماء والأنبياء سنة يهودية أخذت طوائفُ من هذه الأمة منها نصيبا، كما أخبر الصادق المصدوق، والعصمة في الاتّباع.

فتتبع كتاب الله تجد مثل هذا في القرآن كثيرا، لتعاين أن التحذير من سَنن أهل الكتاب والمشركين وصية عتيقة. وقد بسط القول في هذا الشيخ أبو العباس ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم مخالفةَ أصحاب الجحيم فأغنى وشفى.

<<  <   >  >>