للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا لا تجد الشرع يمدحه، ولا يحمد فاعله، ولا يمتن الله علينا بإباحته كاللهو .. وقد كان يتنزه عنه النبي والأكابر، ويشير إلى هذا المعنى قوله : كل شيء ليس من ذكر الله فهو لغو ولهو إلا أربعة خصال: مشي بين الغرضين، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، وتعليم السباحة اه فهذا صريح في أن هذه الأمور هي التي يصلح أن تتخذ عونا على الطاعة، وهو نية التعبد، فلا تكون لغوا. وما سواها فهو لهو ولعب مباح وفسحة لا حرج فيه، لكن لا يؤخذ على نية التعبد، إذ لم يوضع وسيلة إلى الشكر لا شرعا ولا قدرا، ولكنه مستراح النفس لمن شاء. ومن هذا الباب رقص الحبشة في المسجد [خ ٤٩٣٨] هو فسحة لا تعبد، لذلك قالت عائشة لما حكت ذلك: " فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو " أي لا تجعلوها مثل الكبار تنزه عن ذلك اللهو، بل اجعلوا لها فسحة.

وهذا مثل الغناء لا يتعبد لله به كما يفعل بعض من استعذب وَخَمَ البدعة .. أحدثوا لترقيق القلوب أشعارا تضاهي في القصد كلام الله فتغنوا به، كما وقع للمشركين الذين كانت صلاتهم عند البيت المكاء وهو الصفير والتصدية وهو التصفيق وقول الشِعر .. فتعبدوا باللهو، ونهينا عنه، إذ الدعاء والتعبد حزم وجدٌّ، فمن اتخذ اللهو في التعبد كان لاعبا بدينه معتديا فيه كما قال ربنا (ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين) [الأعراف ٥٦]. وقوله تعالى (وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا) [الأنعام ٧٠]. فهذا يدلك على أن اتخاذ الأناشيد والمسرح .. وسيلة للدعوة مناقض لمقاصد الشريعة، مخالف للعمل الأول.

هذا المباح مرتبته متأخرة عن الأول من وجوه:

- ترك النبي وأكابر أصحابه .. كذلك ما ثبت حكمه بالتقرير لا يكون كالفعل في المنزلة، إذ الترك يعارضه، كما أن الفعل لو كان لنهض به.

- عدم التصريح بالإباحة ولا عده من النعم الممتن بها، والسكوت عن المدح تعريض.

<<  <   >  >>