للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يا رسولَ اللهِ، هل على النِّساء مِنْ جهادٍ؟ قال: «نعَم، عليهنَّ جهادٌ لا قتالَ فيه: الحجُّ والعمرةُ» رَواه أحمدُ وابنُ ماجَه بإسنادٍ صحيحٍ (١)، وإذا ثبَت ذلك في النِّساء، فالرِّجالُ أَولى.

والحجُّ أَحدُ مَباني الإسلامِ الخمسِ، وفرضُه سنةَ تسعٍ مِنْ الهجرةِ.

وهو فرضُ كفايةٍ كلَّ عامٍ على مَنْ لا يَجب (٢) عليه عَينًا، نقلَه في «الآداب الكُبرى» عن «الرِّعاية»، وقال: هو خلافُ ظاهرِ قولِ الأصحابِ. انتهى (٣).

ويُمكن أن يُقال: مَنْ لا يَجب عليه الحجُّ عَينًا، بأن يَكون أدَّى حجَّةَ الإسلامِ، فالحجُّ في حقِّه بعدَ ذلك فرضُ كفايةٍ باعتبارِ اندِراجِه في عمومِ المخاطَبِين بفرضِ الكفايةِ، فيَعزم كلَّ عامٍ على الحجِّ مع القدرةِ لو لم يَحُجَّ غيرُه، وهو نفلٌ في حقِّه أيضًا باعتبارِ خُصوصِه، فيُسنُّ له العزمُ على الحجِّ كلَّ عامٍ مع القدرةِ.

فزَيدٌ مَثلًا؛ إذا كان أدَّى حجَّةَ الإسلامِ، ثمَّ رَأى النَّاسَ تَهيَّؤوا للخروجِ إلى الحجِّ فعزَم على الخروج معهم؛ كان عزمُه وأخذُه في الأسباب على سبيلِ النَّفليَّةِ ظاهرًا، ثمَّ إذا حجَّ الجميعُ، فمَن كان منهم حجَّتُه حجَّةُ الإسلامِ؛ فثوابُه ثوابُ فرضِ العينِ، وغيرُه إن كان ممَّن دخَل في عمومِ المخاطَبِين بفرضِ الكفايةِ؛ أُثِيب كلُّ فردٍ منهم ثوابَ فرضِ الكفايةِ؛ لاستوائِهم في مطلَقِ أداءِ فرضِ الكفايةِ.

وملخَّصُ هذا (٤): أنَّ الحجَّ في حقِّ هذا القسمِ عندَ التوجُّهِ


(١) أخرجه أحمد (٢٥٣٢٢)، وابن ماجه (٢٩٠١)، وابن خزيمة (٣٠٧٤)، وصححه ابن حجر والألباني. ينظر: بلوغ المرام (٧٠٩)، الإرواء ٤/ ١٥١.
(٢) في (د) و (ع): لم يجب.
(٣) ينظر: الآداب الشرعية لابن مفلح ٣/ ٥٥٥.
(٤) كتب على هامش (ع): قوله: (وملخص هذا … ) إلخ، حاصله: أن الثواب موقوف، فإذا أُدِّي الحج تبينا ثواب فرض كفاية، لكن قوله: (إنه فرض كفاية على العموم، نفل على الخصوص) مما لا نظير له، فإن فرض الكفاية هو ما كان القصد فيه: حصول الفعل بقطع النظر عن أشخاص الفاعلين، فإذا قلنا: بأن الحج كل عام فرض كفاية؛ فقد خوطب العموم به، فمن أخذ في أسبابه من المخاطبين كان فيمن قام بما خوطب به وهو فرض الكفاية، فكيف يقال: إنه باعتبار خصوصه نفلٌ! وعلى تسليم ذلك: يلزم أن يكون الثواب في معاطاة الأسباب حال التوجه إليه ثواب فرض كفاية باعتبار العموم، وثواب النفل باعتبار الخصوص، فيكون للشخص ثوابان باعتبار العموم والخصوص، وهذه دعوى تفتقر إلى دليل، والله تعالى أعلم. س.

<<  <  ج: ص:  >  >>