فِيهِ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَخْتَصِمُونَ تَرْتَفِعُ أَصْوَاتُهُمْ. فقال ابن عباس: انطلق بِنَا إِلَيْهِمْ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى وَقَفْنَا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَخْبِرْهُمْ بِمَا كَلَّمَ بِهِ الْفَتَى أَيُّوبَ وَهُوَ فِي بَلَائِهِ قَالَ الْفَتَى يَا أَيُّوبُ أَمَا كَانَ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَذَكْرِ الْمَوْتِ مَا يُكِلُّ لِسَانَكَ وَيَكْسِرُ قَلْبَكَ وَيَقْطَعُ حُجَّتَكَ، يَا أَيُّوبُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ للَّه عَزَّ وَجَلَّ عِبَادًا أَسْكَنَتْهُمْ خَشْيَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ غَيْرِ عَيٍّ وَلَا بَكَمٍ وَأَنَّهُمُ النُّطَقَاءُ الْفُصَحَاءُ الْأَلِبَّاءُ الطُّلَقَاءُ، الْعَالِمُونَ باللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَآيَاتِهِ وَلَكِنَّهُمْ إِذَا ذَكَرُوا عَظَمَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَلَّتْ أَلْسِنَتُهُمْ وَطَاشَتْ عُقُولُهُمْ وَأَحْلَامُهُمْ، فَإِذَا اسْتَفَاقُوا مِنْ ذَلِكَ اسْتَبَقُوا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْأَعْمَالِ الزَّاكِيَةِ لَا يَسْتَكْثِرُونَ للَّه عَزَّ وَجَلَّ الْكَثِيرَ، وَلَا يَرْضَوْنَ لَهُ بِالْقَلِيلِ يَعُدُّونَ أَنْفُسَهُمْ مِنَ الظَّالِمِينَ وَالْخَاطِئِينَ وَأَنَّهُمْ لَأَنْزَاهٌ أَبْرَارٌ، وَمَعَ الْمُضَيَّعِينَ وَالْمُفَرِّطِينَ وَأَنَّهُمْ لَأَكْيَاسٌ أَقْوِيَاءُ نَاحِلُونَ دَائِبُونَ، يَرَاهُمُ الجاهل يقول من مرض رقد خَالَطَ الْقَوْمَ أَمْرٌ عَظِيمٌ. قَالَ مَرْوَانُ: فَكَتَبَ إِلَيَّ رَجُلٌ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ عَلَى أَثَرِ كَلَامِ وَهْبٍ: وَكَفَى بِكَ ظَالِمًا أَنْ لَا تَزَالَ مُخَاصِمًا، وَكَفَى بِكَ آثِمًا أَنْ لَا تَزَالَ مُمَارِيًا [١] ، وَكَفَى بِكَ كَاذِبًا أَنْ لَا تَزَالَ مُحَدِّثًا فِي غَيْرِ ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمَّادٍ الشُّعَيْثِيُّ عَنْ كَهْمَسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: شَتَمَ رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ.
فَقَالَ: إِنَّكَ تَشْتُمُنِي فِي ثَلَاثِ خِصَالٍ: إِنِّي لَآتِي الْآيَةَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فلوددت أن جميع الناس علموا منه مِثْلَ الَّذِي أَعْلَمُ، وَإِنِّي لَأَسْمَعُ بِالْحَكَمِ مِنْ حكام الْمُسْلِمِينَ يَقْضِي بِالْعَدْلِ فَأَفْرَحُ بِهِ وَلَعَلِّي لَا أُقَاضِي إِلَيْهِ أَبَدًا، وَإِنِّي لَأَسْمَعُ بِالْغَيْثِ يُصِيبُ الْأَرْضَ مِنْ أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ فَأَفْرَحُ بِهِ وَمَا لي بها من سائمة.
[١] المراء: الجدل.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute