كتاب المسالك في شرح موطأ مالك

بقوله: "ومِثلهُ مَعهُ" (١) وليس ذلك كما ظنّوا؛ لأنّ دعاء إبراهيم لمكّة لم يعرف فضيلة مكّة به وحدَهُ، بل كان فضلُها قبل أنّ يدعو إبراهيم لها، ودعاءُ إبراهيم -عليه السّلام- قد علمناه بما نطق به القرآنُ (٢).

وقالوا: وممّا يقوّي أنّ المدينة أفضل من مكّة، قوله - صلّى الله عليه وسلم -: "صَلَاة في مَسجِدِي هَذَا خَيرٌ مِنْ أَلفِ صَلَاةٍ فيمَا سِوَاهُ، إِلَّا المسجد الحرام، فإنَّ الصلاةَ فيه خيرٌ من الصّلاةِ في مَسْجِدِي بخَمسٍ وَعِشرِينَ صلَاة" (٣).

قلنا: هذا حديث يرويه حبيبٌ المعلِّم (٤)، وهو قارئ مالك رحمه الله، وقد تكلّم

(١) سبق تخريجه صفحة: ١٦٤، التعليق رقم: ١ من هذا المجلّد.
(٢) في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ} البقرة: ١٢٦.
(٣) أخرجه الأزرقي في أخبار مكّة: ٢/ ٥١ من طريق عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -، بلفظ: " ... وصلاة في المسجد الحرام أفضلُ من خمس وعشرين ألف صلاة فيما سواه" ولا ذكر في السند لحبيب المعلم ولا حبيب كاتب مالك، ولعلّ الأمر اشتبه على المؤلِّف أو الناسخ، فالحديث الّذي روي من طريق حبيب المعلم، هو ما رُويَ عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: "صلاةٌ في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إِلَّا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضلُ من مئة صلاة في هذا".
أخرجه أحمد: ٤/ ٣، وعبد بن حميد (٥٢٠)، والبخاري في التاريخ الكبيرت ٤/ ٢٩، والترمذي في العلّل الكبير: ١/ ٢٤١، والفاكهي في أخبار مكّة: ٢/ ٨٩ (١١٨٣)، والحارث بن أبي أسامة (٣٩٠)، والبزار [كما في كشف الأستار: ١/ ٢١٤ (٤٢٥)]، وابن حبّان [ترتيب ابن بلبان: ١٦١٨]، والطبراني في الكبير [في القسم المفقود وهو في مجمع الزوائد: ٤/ ٦ قال الهيثمي: ورجاله رجال الصّحيح]، وابن عدي في الكامل: ٢/ ٨١٧، وابن حزم في المحلى: ٧/ ٢٥٩، والبيهقي في السنن: ٥/ ٢٤٦، وابن عبد البرّ في التمهيد: ٦/ ٢٥. وقال: "فأسند حبيب المعلم هذا الحديث وجوّده ولم يخلط في لفظه ولا في معناه، وكان ثقة ... وهو حديث ثابت لا مطعن فيه لاحد، إِلَّا لِمُتَعَسِّفٍ لا يعرج على قوله في حبيب المعلم".
(٤) لم نجد في المصادر الّتي رجعنا إليها وصف حبيب بالمعلم، وإنّما هو حبيب كاتب مالك، وحبيب المعلم هو أبو محمّد البَصري، مولى مَعقِل بن يسَار، ثقة. انظر تهذيب الكمال: ٢/ ٥٥ (١٠٩٣). اما قارىء مالك فهو حبيب بن أبي حبيب، واسمه إبراهيم، ويقال رزيق، ويقال: مرزوق الحنفيّ، أبو محمّد المصريّ، توفي سنة: ٢١٨. انظر التقريب (١٠٨٧).