للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله (١): "إِنِّي شَفِيعٌ لمَن يَمُوتُ بِهَا" فيه: بيان أنّ للشفاعة أسبابًا من الطّاعات، من جملتها سكنى المدينة ومجاورة النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - في البُقْعَة الكريمة، وذلك بِنُمُوّ ثواب الأعم فيها والصّبر عليها.

الثامنة (٢):

* قال النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "لا يَصبِرُ على لَأوَائِهَا وشِدَّتِهَا أَحَدٌ، إلَّا كُنتُ له شَفِيعًا أو شَهِيدًا يَومَ القِيَامَةِ" (٣) ولم يَرِدْ في مكَّةَ شيءٌ من ذلك، فإن أُدرِكَ فضلٌ في سُكنَاها بالاعتبارِ، فما كان بصَريحِ الآثارِ منه أَولَى، علئ أنّ كثيرًا من العلماء قد كَرِهُوا سُكنَى مكَّةَ، واختلفَ النَّاسُ في تعليلِ ذلكَ.

فمنهم من قال: كُرِهَ ذلك لِئَلَّا تَهُونَ على ساكِنها، وهذا نظرٌ إلى الظّواهر مع ضَعفِ اليقينِ، فأمّا اليقينُ الصّادقُ* السّالكُ على الاهتداءِ، المرتبطِ بالاقتداءِ، فإنّه تزيدُه السُّكْنَى بصيرةً، وتَقْوى فيه العلانيّةُ والسّريرةُ، كما قال الخليفةُ الصّالحُ: "والله إنِّي لأغلَمُ أنكَ حَجَرٌ لا تَضُرُّ ولا تَنفَعُ، ولولا أَني رأيتُ رسولَ الله - صلّى الله عليه وسلم - قبلَكَ ما قّبَّلتُكَ" (٤).

وقال قوم في تعليلِ ذلك: إنّما هو لأجل خوفِ الذّنوبِ فيها، فإنّ المعصيةَ فيها


(١) أي قوله - صلّى الله عليه وسلم - في الحديث الّذي رواه أحمد: ٢/ ٧٤، ١٠٤، والترمذي (٣٩١٧) وقال: "هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث أيوب السَّختياني"، وابن ماجه (٣١١٢)، وابن حبّان (٣٧٤١)، والبيهقي في الشعب (٣٨٨٧ ط. السلفية بالهند)، والبغوي (٢٠٢٠) وقال: "هذا حديث حسن" وصححه من المتأخرين كلّ من أحمد شاكر في المسند ٧/ ٢٢٢ (٣٩١٧) والألباني في صحيح التّرمذيّ (٣٠٧٦).
(٢) وانظر القبس: ٣/ ١٠٨٦ - ١٠٨٧.
(٣) سيأتي تخريجه صفحة: ١٧٣، التعليق رقم: ٨ من هذا المجلد.
(٤) أخرجه البخاريّ (١٥٩٧)، ومسلم (١٢٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>