للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حين جَعَلَهُ من زَوَالِ الشَّمْسِ إلى صلاة الظُّهرِ؛ لأنّ ضيق ذلك الوقت لا يُدْرِك فيه المرءُ حزبه من اللّيل. وَرُبَّ رَجُلٍ حِزْبُه نصفٌ وثُلُثٌ وَرُبُعٌ.

وقد كان عثمان وتميم الدَّارِي وعَلْقَمَة وغيرهم يقرؤون القرآن كلّه في ركعةٍ واحدة (١). والَّذي رواهُ ابن شهاب أَوْسَع وقتًا، وابنُ شهابِ أَتقَنُ حِفْظًا وأثبتُ نَقْلًا.

التّرجمة (٢):

اعلموا- نَوَّرَ اللهُ بصائركم- أنّ "ح ز ب" موضوعٌ عند العرب لجَمْعِ المفترِقِ وضَمِّ المنتشر، فالحزبُ: كلُّ مجموعِ من مفترقٍ قبله. وإنّما بوَّبَ مالك - رحمه الله - هذا الباب، لنُكْتَةٍ بديعةٍ، وهي أنّ الله قال لرسوله (٣): {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} (٤) فأخبرَ (٥) اللهُ أنّ جَمْعَهُ إليه، فوَجبَ أنّ يوقَفَ بذلك الإخبار عنه إليه، حتّى جاء قول عمر بن الخطّاب: "مَنْ فَاتَهُ حِزْبُهُ من اللَّيْلِ" فصار ذلك قُدْوَة في الإذْنِ في إطلاقه، وهذا كما اختلفَ النَّاسُ هل يجوز أنّ يقال: حفظتُ القرآن، لقوله: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (٦) فَمِنَ العلماءِ من أَذِنَ فيه، ومنهم من مَنَعَهُ لهذه الخَصِيصة، وكما قال: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} (٧) كذلك قال؟ إنّ علينا قرآنه (٨). ثم يجوز إجماعًا أنّ يقول: قرأت، كذلك يجوز أنّ يقول: جمعتُ وحفظتُ، والمعنى واحد.

ذكر الفوائد المنثورة في هذا الحديث:

الفائدة الأولى:

قال مالكٌ: مَنْ فَاتَهُ حِزْبُهُ مِنَ اللَّيْلِ فذَكَرَهُ بعدَ طُلُوعِ الفجر، فإنّه يُصَلِّيهِ فيما بَيْنَهُ وبينَ صلاةِ الصُّبْحِ.

ووجه ذلك: أنّ كلَّ وقتٍ كان محلًّا لصلاةِ الوِتْرِ، فإنَّهُ محلٌّ لصلاة اللَّيلِ. فإن


(١) راجع مصنف عبد الرزّاق (٥٩٥٢) وشرح معاني الآثار: ١/ ٣٤٨.
(٢) انظرها في القبس: ١/ ٣٩٨ - ٣٩٩.
(٣) - صلّى الله عليه وسلم -.
(٤) القيامة: ١٦ - ١٧.
(٥) غ، جـ: "كذلك فأخبر" والمثبت من القبس.
(٦) الحجر: ٩.
(٧) القيامة: ١٧.
(٨) كلام المؤلِّف في هذا الموضع على سبيل الشرح والتفسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>