للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان (١) - صلّى الله عليه وسلم - يعلم مَنْ وراءَهُ، ومَنْ كان على يمينه ويساره، فإنّه كان يلتفتُ إليه التفاتًا لا يلوي عنقه.

وهذا ضعيفٌ لا يميل إليه إلَّا ضعيف الحَوْصَلَةِ في العِلْمِ، بل كان النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - يرى ما وراءَهُ كما يرى ما أمامه.

الأصول (٢):

قال الإمام: وقد وقعت طائفةٌ من أهل الزَّيْغِ في معنى هذا الحديث، ونفوا أنّ نقول هذا المعنى (٣)، واعترضوا بأحاديثَ وقالوا وذكروا حديث أبي بكرة أنّه ركعَ دونَ الصَّفِّ، وذكروا حديث الرّجل الّذي أسرع المشيَ فقال: "مَنِ الراكع دون الصَّفِّ؟ " قالوا: أبو بَكْرَةَ (٤). وحديث الّذي انتهى إلى الصّف، فقال: الحمدُ للهِ حَمْدًا كثيرًا، مُبَارَكًا فيه، فلمّا قَضَى رسول الله صلّى الله عليه صلاته، قال: "منِ المُتكلِّمُ آنِفًا" الحديث (٥). قالوا: ألَّا تَرَوْنَ أنَّ النّبيَّ (٦) لم يعلم مَنِ الرّاكعُ دون الصفِّ ولا مَنِ المتكلِّمُ حتّى أُعْلِمَ.

فأجاب علماؤنا عن ذلك بثلاثة أَوْجُهٍ:

الجواب الأوّل (٧): قال علماؤنا المتكلِّمون: بل كان النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - يرى ما وراءَهُ حقيقةً، كما يرى ما أمامه حقيقةً، وذلك بأحد وجهين:

إمّا بقوَّةِ المعرفة الّتي جعلَ اللهُ في قَلْبهِ، لمعرفته بهم ومعرفته بأفعال المنافقين.

وأمّا بالإدراك الّذي خَلَقَ اللهُ له في العَيْنِ على قَدْرِ ما يريدُ أنّ يُبْصِرَ الرَّائي من المرئيات، أَوَلاَ تراه يرى الجَنَّةَ في عُرْضِ الحائطِ (٨)، ولا يراها أحدٌ، ويرى جبريل


(١) انظر الكلام التالي في القبس: ١/ ٣٦٠ وقد صدّره فيه بقوله: "قال بعض النَّاس".
(٢) راجع الاستذكار: ٦/ ٢٧١ فلا شك أنّ المؤلِّف قد استفاد منه.
(٣) الذيِ في الاستذكار: "دفعت طائفة من أهل الزَّيْغ هذا الحديث، وقالوا: كيف تقبلون من هذا وأننم تَرَوْنَ ضِدَّهُ؟ ".
(٤) أخرجهَ البخاريّ (٧٨٣)، وأبو داود (٦٨٤)، والبيهقي: ٣/ ١٠٥.
(٥) أخرجه مسلم (٦٠٠) من حديث أنس بلفظ: "أيكم المتلكَّم بها"، وكان المؤلِّف ركّب متن حديث أنس على حديث رفاعة بن رفاعة الزُّرَقيّ الّذي أخرجه مالكٌ في الموطّأ (٥٦٥) رواية يحيى.
(٦) - صلّى الله عليه وسلم -.
(٧) انظره في القبس: ١/ ٣٦٠ - ٣٦١.
(٨) أخرجه البخاريّ (٧٢٩٤)، ومسلم (٢٣٥٩) من حديث أنس.

<<  <  ج: ص:  >  >>