عُدلت عنا، فاذهبي فالتمسيها ذات الشمال، فملت عن شمالي، فإذا أنا بأمي قائمة عريانة متزرة بخرقةٍ، بيدها شُحَيمة تنادي: والهفاه، واحسرتاه، واعطشاه، فإذا بلغها الجهد دلَكت تلك الشُّحَيْمة براحتِها ثم لحسَتْها، وإذا بين يديها نهر جارٍ، قلت: يا أماه! ما لك تنادين العطش وبين يديك نهرٌ جار؟! قالت: لا أترك أن أشرب منه. قلت: أفلا أسقيك؟ قالت: وددتُ أنك فعلت، فغرفتُ لها غرفةً فسقيتُها، فلما شربت نادى منادٍ من ذات اليمين: ألا من سقي هذه المرأة شُلَّت يمينه مرتين فأصبحتُ شلاءَ اليمين، لا أستطيع أن أعمل بيميني.
قالت لها عائشة ﵂: وعرفتِ الخرقة؟ قالت: نعم يا أمَّ المؤمنين، وهي التي رأيتها عليها، ما رأيت أمي تصدَّقت بشيءٍ قط، إلا أن أبي نحر ذات يوم ثورًا، فجاء سائل فعمدت أمي إلى عظم عليه شُحَيْمةٌ فناولتها إياه، وما رأيتها تصدقت بشيء، إلا أن سائلًا جاء يسأل، فعمدت أمي إلى خِرقةٍ فناولتها إياه؛ فكبرت عائشة ﵂ وقالت: صدق الله وبلَّغ رسوله ﷺ: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٧ - ٨].
أخرجه الحافظ أبو موسى المديني في كتاب الترغيب والترهيب من طريق أبي الشيخ الأصبهاني الحافظ بإسناد حسن (١).
من خرج إلى سفر من أسفار الدنيا بغير زاد، ندم حيث يحتاج إلى الزاد، فلا ينفعه الندم وربما هلك؛ فكيف بمن رحل إلى سفر الآخرة مع طوله ومشقته بغير زاد؟!
كان علي ﵁ يقول في الليل: آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة
(١) وأخرجه الحاكم في المستدرك من طريق أخرى (٤/ ٤٧١ - ٤٧٢)، وابن أبي الدنيا في كتاب مجابي الدعاء برقم (٧١).