للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

احتُضر بعض الصالحين فبكى أبواه وولده، فسألهم عن بكائهم، فذكر أبواه ما يتعجلانه من فقده، ووحشتَهم بعدَه، وذكر ولده ما يتعجلون من فقده، ويُتمَهم بعده، فقال: كلُّكم بكى لدنياي، أما منكم من يبكي لآخرتي؟!

أما منكم من يبكي لِمَا يلقاه في التراب وجهي؟! أما منكم من يبكي لمسائلةِ منكرٍ ونكيرٍ إياي؟! أما منكم من يبكي لمقامي بين يدي ربي؟! ثم صرخ صرخةً فمات .

وأكثر الورثة لا يوفون دينَ موَرِّثهم، فيتركونه مرتهَنا محتبَسا بدَيْنه، كما قال النبي لقوم مات منهم ميت: «إن صاحبكم محتبَسٌ بدَيْنِه، فإن شئتم فأسْلموه أو فكُّوه» (١)، أو كما قال.

وبكل حال فليوطن الإنسان في الدنيا نفسَه على مفارقة أهله، ولا ينتفع الميتُ بعد موته بأهله ولا غيرهم، إلا بالاستغفار له ودعائهم وترحمهم، أو صدقتهم عنه، وينتفع بزيارة من زاره ويسلِّم عليه ويستأنس بذلك.

وقد وصى عمرو بن العاص ، أن يقيموا على قبرِه بعد دفنه بقدر ما تُنحر جزورٌ ويقسَّم لحمُها، وقال: أستأنس بكم، وأنظر ما أراجع به رسلَ ربي (٢).

وفي سنن أبي داود أن النبي كان إذا دفن الميت قال: «سلوا له التثبيتَ، فإنه الآن يُسأل» (٣).


(١) أخرجه أحمد في المسند برقم (٢٠٢٢٢)، عن سمرة ، ولفظه: أن النبي صلى الفجر، فقال: «هاهنا من بني فلان أحد؟» ثلاثًا، فقال رجل: أنا، فقال: «إن صاحبكم محبوس عن الجنة بدينه»، وأخرجه أبو داود برقم (٣٣٤١).
(٢) أخرجه مسلم برقم (١٢١).
(٣) أخرجه أبو داود برقم (٣٢٢١)، والحاكم في المستدرك برقم (١٣٢٧)، عن عثمان بن عفان قال الحاكم: (صحيح ولم يخرجاه).

<<  <   >  >>