للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأما إن خلَّف من يدعو له من أهله، أو قدم شيئًا من ماله فإنه ينتفع به، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة ، عن النبي : «إذا مات الإنسانُ انقطع عملُه إلا من ثلاث: إلا من صدقةٍ جارية، أو ولدٍ صالح يدعو له، أو علمٍ ينتفع به» (١).

الصاحب الأول: الأهل:

فأهله لا ينفعه منهم بعد موته إلا من استغفر له ودعا له، وقد لا يفعل، وقد يكون الأجنبيُّ أنفعَ للميت من أهله، كما قال بعض الصالحين: وأين مثل الأخ الصالح؟! أهلك يقتسمون ميراثَك، وهو قد تفرَّد بحزنك، يدعو لك، وأنت بين أطباقِ الأرض، فمن الأهل من هو عدوٌّ، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾ [التغابن: ١٤]، ومنهم من يشتغل عن الميت بحصول ميراثِه، كما قيل:

تمر أقاربي جنباتِ قبرى … كأن أقاربي لا اعرفوني

وذووا الميراثِ يقتسمون مالي … ولا يألون إن جحدوا ديوني

وقد أخذوا سهامَهُم وعاشوا … فيا للهِ أسرعَ ما نسوني

قال الحسن: أزهد الناس في عالم جيرانُه، وشرُّ الناس لميت أهلُه؛ يبكون عليه، ولا يقضون دينه (٢). يشير إلى أنهم يفعلون ما يضرُّه ويتركون ما ينفعه؛ فالبكاء إذا كان معه ندبٌ أو نوْحٌ أو تسخطٌ يعذَّب به الميت (٣)، وإنما يبكون لفقد حظوظهم منه، فبكاؤهم على أنفسهم لا على ميتِهم.


(١) أخرجه مسلم برقم (١٦٣١).
(٢) ذكره القرطبي في التذكرة (ص ٣٣٠)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (٨/ ٥١٧).
(٣) لحديث عُمَرَ بن الخطاب ، عَنِ النَّبِيِّ ، قَالَ: «الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ». أخرجه البخاري برقم (١٢٩٢)، ومسلم برقم (٩٢٧).

<<  <   >  >>