للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والكافر والمنافق بعكس ذلك، قوي جسمه، لا تقلبه رياح الدنيا، وأما قلبه فإنه ضعيف، تلاعب به الأهواء المضلة، فتقلبه يمنة ويسرة، فكذلك كان مثل قلبه كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، كشجر الحنظل ونحوه مما ليس له أصل ثابت في الأرض.

وقال علي في صفة الهمج الرعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا منه إلى ركن وثيق (١).

وبهذا يظهر الجمع بين حديث تمثيل المؤمن بخامة الزرع والفاجر بشجرة الأرز، وبين حديث تمثيل المؤمن بالنخلة (٢). فإن التمثيل بالزرع لجسده؛ لتوالي البلاء عليه، والتمثيل بالنخلة إيمانه وعمله وقوله، يدل عليه قوله ﷿: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ [إبراهيم: ٢٤]، فجعلها مثلًا بكلمة الشهادة التي هي أصل الإسلام، وثبوتها في قلب المؤمن كثبوت أصل النخلة في الأرض، وارتفاع عمل المؤمن إلى السماء كارتفاع النخلة، وتجدد عمل المؤمن من كل حين كإتيان النخلة أكلها كل حين.

الثاني: ومنها أن المؤمن يمشي مع البلاء كيف ما مشى به، فيلين له، فيقلبه البلاء يمنة ويسرة، فكلما أداره استدار معه، فيكون عاقبته العافية من البلاء


(١) ينظر: حلية الأولياء لأبي نعيم (١/ ٧٩)، وترتيب الأمالي الخميسية للشجري برقم (٣٣٢).
(٢) كما في حديث ابن عمر ، قال: قال رسول الله : «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي»، فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله : ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله ، قال: «هي النخلة». أخرجه البخاري برقم (٦١)، ومسلم برقم (٢٨١١).

<<  <   >  >>