للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنفسه، عاريا من كسبه، فألانت هذه البطشة من حدّهم وخضّدت من شوكتهم، واستقاموا على الطاعة بعد.

[(الخبر عن ثورة الهرغي بطرابلس ومنال أمره)]

كان هذا الرجل من مشيخة الموحّدين وهو يعقوب بن يوسف بن محمد الهرغي ويكنّى بأبي عبد الرحمن، وكان الأمير أبو زكريا وقد عقد له على طرابلس وجهاتها، وسرّح معه عسكرا من الموحّدين من أعراب دباب من بني سليم، فقام بأمرها واضطلع بجباية رعاياها. واستخدم العرب والبربر الذين بساحتها وكان بينه وبين الجواهري مصدوقة ود. فلما قتل الجواهري سنة تسع وثلاثين وستمائة كما قدّمناه استوحش لها يعقوب الهرغي واستقدمه السلطان فتلكّأ، وبعث عنه أخاه ابن أبي يعقوب فازداد نفاره، وحدّثته نفسه بالاستبداد لما كان أثرى من الجباية وشعر لها أهل البلد. فانطلقوا وهم يتخافون أن يعاجلوه قبل مداخلته العرب في أمره، فتقبّضوا عليه وعلى أخيه وعلى أتباعهما ليلة أجمعوا الثورة في صباحها. وطيّروا بالخبر إلى الحضرة فنفذ الأمر بقتلهم فقتلوا، وبعث برءوسهم إلى باب السلطان، ونصبت أشلاؤهم بأسوار طرابلس، وأصبحوا عبرة للمعتبرين وأنشد الشعراء في التهنية بهم وقامت للبشائر سوق لكائنتهم.

وكان ممن قتل معه محمد ابن قاضي القضاة بمراكش أبي عمران بن عمران. وصل علقا [١] إلى تونس وقصد طرابلس فاتصل بهذا الهرغي، ونمي عنه أنه أنشأ خطبة ليوم البيعة فكانت سائقة حتفه. وكان بالمهديّة رجل من الدعاة يعرف بأبي حمراء [٢] اشتهر بالنجدة في غزو البحر، وقدّم على الأسطول فردّد الغزو حتى هابه الغزّى من أمم الكفر، وأمنت سواحل المسلمين من طروقهم. وطار له فيها ذكر ونمي أنه كان مداخلا للجواهري والهرغي، وأن القاضي بالمهديّة أبا زكريا البرقي اطلع على دسيستهم في ذلك، فنفذ الأمر السلطاني للوالي بها أبي علي بن أبي موسى بن أبي


[١] كذا، ولا معنى لها، وفي ب: غلقا بمعنى: غضبان.
[٢] كذا، وفي ب: ابن أبي الأحمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>