للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(إِذَا كَانَ مَعْنَاهَا الْمُحَاجُّ الْمُجَادِلُ كَمَا قَالَ بوست) وَهُوَ شَهِيرٌ سَامٍ جَلِيلٌ مَجِيدٌ إِذَا كَانَ اللَّفْظُ الْأَصْلِيُّ (بِيرِقْلِيطُ) وَالْعِبَارَاتُ الْوَارِدَةُ فِي إِنْجِيلِ يُوحَنَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا تَنْطَبِقُ إِلَّا عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ صَاحِبُ كِتَابِ إِظْهَارِ الْحَقِّ وَمُؤَلِّفُ كِتَابِ (فَتْحِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ فِي بَشَائِرِ دِينِ الْإِسْلَامِ) وَكَمَا أَشَرْنَا إِلَى ذَلِكَ فِي

صَفْحَةِ ٨٢ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ اهـ. وَنَعُودُ إِلَى سِيَاقِ صَاحِبِ إِظْهَارِ الْحَقِّ الشَّيْخِ رَحْمَةِ اللهِ، قَالَ رَحِمَهُ اللهُ.

وَأَقُولُ: إِنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ يَسِيرٌ جِدًّا، وَإِنَّ الْحُرُوفَ الْيُونَانِيَّةَ كَانَتْ مُتَشَابِهَةً، فَتَبَدُّلُ بيركلوطوس بباراكلي طوس فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنَ الْكَاتِبِ قَرِيبُ الْقِيَاسِ، ثُمَّ رَجَّحَ أَهْلُ التَّثْلِيثِ الْمُنْكِرِينَ هَذِهِ النُّسْخَةَ عَلَى النُّسَخِ الْأُخَرِ، وَمَنْ تَأْمَّلَ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْكِتَابِ. وَالْأَمْرَ السَّابِعَ مِنْ هَذَا الْمَسْلَكِ السَّادِسِ بِنَظَرِ الْإِنْصَافِ اعْتَقَدَ يَقِينًا بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ مَنْ أَهْلِ الدِّيَانَةِ مِنْ أَهْلِ التَّثْلِيثِ لَيْسَ بِبَعِيدٍ بَلْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُحَسِّنَاتِ.

(وَالْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ الْبَعْضَ ادَّعَوْا قَبْلَ ظُهُورِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ مَصَادِيقُ لَفْظِ فَارَقْلِيطَ، مَثَلًا منتنس الْمَسِيحِيُّ الَّذِي كَانَ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي مِنَ الْمِيلَادِ، وَكَانَ مُرْتَاضًا شَدِيدَ الِارْتِيَاضِ وَأَتْقَى أَهْلِ عَهْدِهِ: ادَّعَى فِي قُرْبِ سَنَةِ ١٧٧ مِنَ الْمِيلَادِ فِي آسْيَا الصُّغْرَى الرِّسَالَةَ، وَقَالَ: إِنِّي الْفَارَقْلِيطُ الَّذِي وَعَدَ بِمَجِيئِهِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَتَبِعَهُ أُنَاسٌ كَثِيرُونَ فِي ذَلِكَ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي بَعْضِ التَّوَارِيخِ، وَذَكَرَ وِلْيَمْ مَيُورْ حَالَهُ وَحَالَ مُتَّبِعِيهِ فِي الْقَسَمِ الثَّانِي مِنَ الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ تَارِيخِهِ بِلِسَانِ أُرْدُو الْمَطْبُوعِ سَنَةَ ١٨٤٨ مِنَ الْمِيلَادِ هَكَذَا: إِنَّ الْبَعْضَ قَالُوا إِنَّهُ ادَّعَى أَنَّهُ الْفَارَقْلِيطُ يَعْنِي الْمُعَزِّي رُوحُ الْقُدُسِ، وَهُوَ كَانَ أَتْقَى (؟) وَمُرْتَاضًا شَدِيدًا (؟) وَلِأَجْلِ ذَلِكَ قَبِلَهُ النَّاسُ قَبُولًا زَائِدًا، انْتَهَى كَلَامُهُ.

فَعُلِمَ أَنَّ انْتِظَارَ الْفَارَقْلِيطِ كَانَ فِي الْقُرُونِ الْأُولَى الْمَسِيحِيَّةِ أَيْضًا وَلِذَلِكَ كَانَ النَّاسُ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ مَصَادِيقُهُ، وَكَانَ الْمَسِيحِيُّونَ يَقْبَلُونَ دَعَاوِيَهُمْ. وَقَالَ صَاحِبُ لُبِّ التَّوَارِيخِ: إِنَّ الْيَهُودَ وَالْمَسِيحِيِّينَ مِنْ مُعَاصِرِي مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا مُنْتَظِرِينَ لِنَبِيٍّ، فَحَصَلَ لِمُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ نَفْعٌ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى أَنَّهُ هُوَ ذَاكَ الْمُنْتَظَرُ، انْتَهَى مُلَخَّصُ كَلَامِهِ. فَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ كَانُوا مُنْتَظِرِينَ لِخُرُوجِ نَبِيٍّ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ النَّجَاشِيَّ مَلِكَ الْحَبَشَةِ لَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ كِتَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَشْهَدُ بِاللهِ أَنَّهُ لَلنَّبِيُّ الَّذِي يَنْتَظِرُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ، وَكَتَبَ الْجَوَابَ وَكَتَبَ فِي الْجَوَابِ: أَشْهَدُ أَنَّكَ

رَسُولُ اللهِ صَادِقًا وَمُصَدِّقًا، وَقَدْ بَايَعْتُكَ وَبَايَعْتُ ابْنَ عَمِّكَ - أَيْ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - وَأَسْلَمْتُ عَلَى يَدَيْهِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اهـ. وَهَذَا النَّجَاشِيُّ كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ نَصْرَانِيًّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>