للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(الْبِشَارَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ)

فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنَ الْمُشَاهَدَاتِ هَكَذَا (٢٦ وَمِنْ يَغْلِبْ وَيَحْفَظْ أَعْمَالِي إِلَى النِّهَايَةِ فَسَأُعْطِيهِ سُلْطَانًا عَلَى الْأُمَمِ ٢٧ فَيَرْعَاهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ كَمَا تُكْسَرُ آنِيَةٌ مِنْ خَزَفٍ كَمَا أُخِذَتْ أَيْضًا مِنْ عِنْدِ أَبِي ٢٨ وَأُعْطِيهِ كَوْكَبَ الصُّبْحِ ٢٩ مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُ الرُّوحُ بِالْكَنَايِسِ فَهَذَا الْغَالِبُ الَّذِي أُعْطِيَ سُلْطَانًا عَلَى الْأُمَمِ وَيَرْعَاهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ هُوَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَمَا قَالَ اللهُ فِي حَقِّهِ: وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْرًا عَزِيزًا (٤٨: ٣) وَقَدْ سَمَّاهُ سَطِيحٌ الْكَاهِنُ صَاحِبَ الْهِرَاوَةِ - رُوِيَ أَنَّهُ لَيْلَةَ وِلَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْشَقَّ إِيوَانُ كِسْرَى أَنُوشِرْوَانَ، وَسَقَطَ مِنْهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرْفَةً - وَخَمَدَتْ نَارُ فَارِسَ، وَلَمْ تَخْمَدْ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَلْفِ عَامٍ، وَغَارَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةَ بِحَيْثُ صَارَتْ يَابِسَةً: وَرَأَى الْمُوبَذَانُ فِي نَوْمِهِ أَنَّ إِبِلًا صِعَابًا تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا فَقَطَعَتْ دِجْلَةَ، وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهَا، فَخَافَ كِسْرَى مِنْ حُدُوثِ هَذِهِ الْأُمُورِ، أَرْسَلَ عَبْدَ الْمَسِيحِ إِلَى سَطِيحٍ الْكَاهِنِ الَّذِي كَانَ فِي الشَّامِ، وَلَمَّا وَصَلَ عَبْدُ الْمَسِيحِ إِلَيْهِ وَجَدَهُ فِي سَكَرَاتِ الْمَوْتِ فَذَكَرَ هَذِهِ الْأُمُورَ عِنْدَهُ فَأَجَابَ سَطِيحٌ: إِذَا كَثُرَتِ التِّلَاوَةُ، وَظَهَرَ صَاحِبُ الْهِرَاوَةِ، وَغَاضَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةَ، وَخَمَدَتْ نَارُ فَارِسَ، فَلَيْسَتْ بَابِلُ لِلْفُرْسِ مَقَامًا، وَلَا الشَّامُ لِسَطِيحٍ مَنَامًا، يُمَلِّكُ مِنْهُمْ مُلُوكٌ وَمَلِكَاتٌ، عَلَى عَدَدِ الشُّرُفَاتِ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ اهـ. ثُمَّ مَاتَ سَطِيحٌ مِنْ سَاعَتِهِ، وَرَجَعَ عَبْدُ الْمَسِيحِ فَأَخْبَرَ أَنُوشِرْوَانَ بِمَا قَالَ سَطِيحٌ، قَالَ كِسْرَى: إِلَى أَنْ يَمْلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَلِكًا كَانَتْ أُمُورٌ وَأُمُورٌ، فَمَلَكَ مِنْهُمْ عَشْرَةٌ فِي أَرْبَعِ سِنِينَ، وَمَلَكَ الْبَاقُونَ إِلَى خِلَافَةِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَهَلَكَ آخِرُهُمْ يَزْدِجِرْدُ فِي خِلَافَتِهِ، وَالْهِرَاوَةُ بِكَسْرِ الْهَاءِ الْعَصَا: الضَّخْمَةُ، وَكَوْكَبُ الصُّبْحِ عِبَارَةٌ عَنِ الْقُرْآنِ، قَالَ اللهُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (٤: ١٧٤) وَقَالَ فِي سُورَةِ التَّغَابُنِ: فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا (٦٤: ٨) .

قَالَ صَاحِبُ صَوْلَةِ الضَّيْغَمِ بَعْدَ نَقْلِ هَذِهِ الْبِشَارَةِ: قُلْتُ لِلْقِسِّيسِينَ ويت وَوِلْيَم عِنْدَ الْمُنَاظَرَةِ: إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَضِيبِ مِنْ حَدِيدٍ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

فَاضْطَرَبَا بِسَمَاعِ هَذَا الْأَمْرِ وَقَالَا: إِنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَكَمَ بِهَذَا لِكَنِيسَةِ ثِيَاتِيرَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ظُهُورُ مِثْلِ هَذَا الشَّخْصِ هُنَاكَ، وَمُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رَاحَ هُنَاكَ، قُلْتُ: هَذِهِ الْكَنِيسَةُ فِي أَيَّةِ نَاحِيَةٍ كَانَتْ؟ فَرَجَعَا إِلَى كُتُبِ اللُّغَةِ وَقَالَا: كَانَتْ فِي أَرْضِ الرُّومِ قَرِيبَةً فِي اسْتَانْبُولَ، قُلْتْ: رَاحَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خِلَافَةِ الْفَارُوقِ الْأَعْظَمِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - إِلَى هَذِهِ الْبِلَادِ وَفَتَحُوهَا، وَبَعْدَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - كَانَ الْمُسْلِمُونَ أَيْضًا مُتَسَلِّطِينَ عَلَيْهَا فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ، ثُمَّ تَسَلَّطَ عَلَيْهَا سَلَاطِينُ آلِ عُثْمَانَ أَدَامَ اللهُ سَلْطَنَتَهُمْ مِنْ مُدَّةٍ مَدِيدَةٍ، وَهُمْ مُتَسَلِّطُونَ إِلَى هَذَا الْحِينِ. فَهَذَا الْخَبَرُ صَرِيحٌ فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى كَلَامُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>