للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنَّ الْكَرَّامِينَ الطَّاغِينَ كِنَايَةٌ عَنِ الْيَهُودِ، كَمَا فَهِمَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفِرِيسِيُّونَ أَنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَالْعَبِيدَ الْمُرْسَلِينَ كِنَايَةٌ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَالِابْنَ كِنَايَةٌ عَنْ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَدْ عَرَفْتَ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِإِطْلَاقِ هَذَا اللَّفْظِ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَتَلَهُ الْيَهُودُ أَيْضًا فِي زَعْمِهِمْ، وَالْحَجْرَ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاءُونَ كِنَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْأُمَّةُ الَّتِي تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ كِنَايَةٌ عَنْ أُمَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا هُوَ الْحَجْرُ الَّذِي كُلُّ مَنْ سَقَطَ عَلَيْهِ تَرَضَّضَ، وَكُلُّ مَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ سَحَقَهُ.

وَمَا ادَّعَاهُ عُلَمَاءُ الْمَسِيحِيَّةِ بِزَعْمِهِمْ: أَنَّ هَذَا الْحَجَرَ عِبَارَةٌ عَنْ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِوُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) أَنَّ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ فِي الزَّبُورِ الْمِائَةِ وَالثَّامِنَ عَشَرَ هَكَذَا ٢٢ الْحَجَرُ الَّذِي رَذَلَهُ الْبَنَّاءُونَ هُوَ صَارَ لِلزَّاوِيَةِ ٢٣ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَتْ هَذِهِ وَهِيَ عَجِيبَةٌ فِي أَعْيُنِنَا) فَلَوْ كَانَ هَذَا الْحَجَرُ عِبَارَةً عَنْ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَهُوَ مِنَ الْيَهُودِ مِنْ آلِ يَهُوذَا مِنْ آلِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَأَيُّ عَجَبٍ فِي أَعْيُنِ الْيَهُودِ عُمُومًا لِكَوْنِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَأْسَ الزَّاوِيَةِ وَلَاسِيَّمَا فِي عَيْنِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، خُصُوصًا لِأَنَّ مَزْعُومَ الْمَسِيحِيِّينَ أَنَّ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُعَظِّمُ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي مَزَامِيرِهِ تَعْظِيمًا بَلِيغًا، وَيَعْتَقِدُ الْأُلُوهِيَّةَ فِي حَقِّهِ، بِخِلَافِ آلِ إِسْمَاعِيلَ؛ فَإِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يُحَقِّرُونَ أَوْلَادَ إِسْمَاعِيلَ غَايَةَ التَّحْقِيرِ فَكَانَ كَوْنُ أَحَدٍ مِنْهُمْ رَأْسًا لِلزَّاوِيَةِ عَجِيبًا فِي أَعْيُنِهِمْ.

(وَالثَّانِي) أَنَّهُ وَقَعَ فِي وَصْفِ هَذَا الْحَجْرِ " كُلُّ مَنْ سَقَطَ عَلَى هَذَا الْحَجَرِ تَرَضَّضَ وَكُلُّ مَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ سَحَقَهُ " وَلَا يَصْدُقُ هَذَا الْوَصْفُ عَلَى عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُ قَالَ: (وَإِنْ سَمِعَ أَحَدٌ كَلَامِي وَلَمْ يُؤْمِنْ فَأَنَا لَا أُدِينُهُ، لِأَنِّي لَمْ آتِ لِأُدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لِأُخَلِّصَ الْعَالَمَ) كَمَا هُوَ فِي الْبَابِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا. وَصِدْقُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِتَنْبِيهِ الْفُجَّارِ الْأَشْرَارِ فَإِنْ سَقَطُوا عَلَيْهِ تَرَضَّضُوا، وَإِنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِمْ سَحَقَهُمْ.

(الثَّالِثُ) قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ قَصْرٍ أُحْسِنَ بُنْيَانُهُ وَتُرِكَ مِنْهُ مَوْضِعُ لَبِنَةٍ فَطَافَ بِهَا النُّظَّارُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ حُسْنِ بُنْيَانِهِ إِلَّا مَوْضِعَ تِلْكَ اللَّبِنَةِ، خُتِمَ بِي الْبُنْيَانُ وَخُتِمَ بِي الرُّسُلُ " وَلَمَّا ثَبَتَتْ نُبُوَّتُهُ بِالْأَدِلَّةِ الْأُخْرَى، كَمَا ذَكَرْتُ نُبَذًا مِنْهَا فِي الْمَسَالِكِ السَّابِقَةِ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ أَسْتَدِلَّ فِي هَذِهِ الْبِشَارَةِ بِقَوْلِهِ أَيْضًا.

(وَالرَّابِع) أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ كَلَامِ الْمَسِيحِ أَنَّ هَذَا الْحَجَرَ غَيْرُ الِابْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>