للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ) فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِمَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ طَرِيقَةُ النَّجَاةِ نَفْسُهَا لَا شُيُوعُهَا فِي جَمِيعِ الْعَالَمِ وَإِحَاطَتُهَا بِكُلِّ الْعَالَمِ، وَإِلَّا لَا مَعْنَى لِنَزْعِ الشُّيُوعِ وَالْإِحَاطَةِ مِنْ قَوْمٍ وَإِعْطَائِهَا لِقَوْمٍ آخَرِينَ، فَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْمَلَكُوتِ هِيَ الْمَمْلَكَةُ الَّتِي أَخْبَرَ عَنْهَا دَانْيَالُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِهِ، فَمِصْدَاقُ هَذَا الْمَلَكُوتِ وَتِلْكَ الْمَمْلَكَةِ نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللهُ أَعْلَمُ وَعِلْمُهُ أَتَمُّ.

(الْبِشَارَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ)

فِي الْبَابِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ إِنْجِيلِ مَتَّى هَكَذَا (٣١ قَدَّمَ لَهُمْ مَثَلًا آخَرَ قَائِلًا يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ حَبَّةَ خَرْدَلٍ أَخَذَهَا إِنْسَانٌ وَزَرَعَهَا فِي حَقْلِهِ (٣٢) وَهِيَ أَصْغَرُ جَمِيعِ الْبُذُورِ، وَلَكِنْ مَتَى نَمَتْ فَهِيَ أَكْبَرُ الْبُقُولِ، وَتَصِيرُ شَجَرَةً حَتَّى إِنَّ طُيُورَ السَّمَاءِ تَأْتِي وَتَأْوِي فِي أَغْصَانِهَا) فَمَلَكُوتُ السَّمَاءِ طَرِيقَةُ النَّجَاةِ، الَّتِي ظَهَرَتْ بِشَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ؛ لِأَنَّهُ نَشَأَ فِي قَوْمٍ كَانُوا حُقَرَاءَ عِنْدَ الْعَالَمِ لِكَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي غَالِبًا وَغَيْرَ وَاقِفِينَ عَلَى الْعُلُومِ وَالصِّنَاعَاتِ، مَحْرُومِينَ مِنَ اللَّذَّاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ، وَالتَّكَلُّفَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَلَاسِيَّمَا عِنْدَ الْيَهُودِ لِكَوْنِهِمْ مِنْ أَوْلَادِ هَاجَرَ فَبَعَثَ اللهُ مِنْهُمْ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَتْ شَرِيعَتُهُ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ بِمَنْزِلَةِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ، أَصْغَرُ الشَّرَائِعِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، لِكَوْنِهَا لِعُمُومِهَا نَمَتْ فِي مُدَّةٍ قَلِيلَةٍ، وَصَارَتْ أَكْبَرَهَا، وَأَحَاطَتْ شَرْقًا وَغَرْبًا، حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ لَمَّ يَكُونُوا مُطِيعِينَ لِشَرِيعَةٍ مِنَ الشَّرَائِعِ تَشَبَّثُوا بِذَيْلِ شَرِيعَتِهِ.

(الْبِشَارَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ)

فِي الْبَابِ الْعِشْرِينَ مِنْ إِنْجِيلِ مَتَّى هَكَذَا: (١ فَإِنَّ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ يُشْبِهُ رَجُلًا رَبَّ بَيْتٍ خَرَجَ مَعَ الصُّبْحِ لِيَسْتَأْجِرَ فَعَلَةً لِكَرْمِهِ ٢ فَاتَّفَقَ مَعَ الْعَمَلَةِ

عَلَى دِينَارٍ فِي الْيَوْمِ، وَأَرْسَلَهُمْ إِلَى كَرْمِهِ ٣ ثُمَّ خَرَجَ نَحْوَ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ وَرَأَى آخَرِينَ قِيَامًا فِي السُّوقِ بِطَّالِينَ ٤ فَقَالَ لَهُمْ: اذْهَبُوا أَنْتُمْ أَيْضًا إِلَى الْكَرْمِ فَأُعْطِيكُمْ مَا يَحِقُّ لَكُمْ فَمَضَوْا ٥ وَخَرَجَ أَيْضًا نَحْوَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ وَالتَّاسِعَةِ وَفَعَلَ كَذَلِكَ ٦ ثُمَّ نَحْوَ السَّاعَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ خَرَجَ وَوَجَدَ آخَرِينَ قِيَامًا بَطَّالِينَ فَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا وَقَفْتُمْ هَاهُنَا كُلَّ النَّهَارِ بَطَّالِينَ ٧ قَالُوا لَهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْجِرْنَا أَحَدٌ. قَالَ لَهُمُ: اذْهَبُوا أَنْتُمْ أَيْضًا إِلَى الْكَرْمِ فَتَأْخُذُوا مَا يَحِقُّ لَكُمْ ٨ فَلِمَا كَانَ الْمَسَاءُ قَالَ صَاحِبُ الْكَرْمِ لِوَكِيلِهِ: ادْعُ الْفَعَلَةَ وَاعْطِهِمُ الْأُجْرَةَ مُبْتَدِيًا مِنَ الْآخَرِينَ إِلَى الْأَوَّلِينَ ٩ فَجَاءَ أَصْحَابُ السَّاعَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ وَأَخَذُوا دِينَارًا دِينَارًا ١٠ فَلَمَّا جَاءَ الْأَوَّلُونَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أَكْثَرَ فَأَخَذُوا هُمْ أَيْضًا دِينَارًا دِينَارًا ١١ وَفِيمَا هُمْ يَأْخُذُونَ تَذَمَّرُوا عَلَى رَبِّ الْبَيْتِ ١٢ قَائِلِينَ: هَؤُلَاءِ الْآخَرُونَ عَمِلُوا سَاعَةً وَقَدْ سَاوَيْتَهُمْ بِنَا نَحْنُ الَّذِينَ احْتَمَلْنَا ثِقَلَ النَّهَارِ وَالْحَرَّ ١٣ فَأَجَابَ

<<  <  ج: ص:  >  >>