مِنْ إِنْجِيلِ لُوقَا هَكَذَا (١ وَدَعَا تَلَامِيذَهُ الْاثْنَيْ عَشَرَ وَأَعْطَاهُمْ قُوَّةً وَسُلْطَانًا عَلَى جَمِيعِ الشَّيَاطِينِ وَشِفَاءِ أَمْرَاضٍ ٢ وَأَرْسَلَهُمْ لِيُكْرِزُوا بِمَلَكُوتِ اللهِ وَيَشْفُوا الْمَرْضَى) وَفِي الْبَابِ الْعَاشِرِ مِنْ إِنْجِيلِ لُوقَا هَكَذَا (١ وَبَعْدَ ذَلِكَ عَيَّنَ الرَّبُّ سَبْعِينَ آخَرِينَ أَيْضًا وَأَرْسَلَهُمْ) إِلَخْ. (فَقَالَ لَهُمْ) إِلَخْ. (٨ وَأَيَّةُ مَدِينَةٍ دَخَلْتُمُوهَا وَقَبِلُوكُمْ فَكُلُوا مِمَّا يُقَدَّمُ
لَكُمْ (٩) وَاشْفُوا الْمَرْضَى الَّذِينَ فِيهَا وَقُولُوا لَهُمْ: قَدِ اقْتَرَبَ مِنْكُمْ مَلَكُوتُ اللهِ (١٠) وَأَيَّةُ مَدِينَةٍ دَخَلْتُمُوهَا وَلَمْ يَقْبَلُوكُمْ فَاخْرُجُوا إِلَى شَوَارِعِهَا وَقُولُوا (١١) حَتَّى الْغُبَارُ الَّذِي لَصِقَ بِنَا مِنْ مَدِينَتِكُمْ نَنْفُضُهُ لَكُمْ، وَلَكِنِ اعْلَمُوا هَذَا أَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مِنْكُمْ مَلَكُوتُ اللهِ) - فَظَهَرَ أَنَّ كُلًّا مِنْ يَحْيَى وَعِيسَى وَالْحَوَارِيِّينَ وَالتَّلَامِيذِ السَّبْعِينَ بَشَّرَ بِمَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، وَبَشَّرَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْأَلْفَاظِ الَّتِي بَشَّرَ بِهَا يَحْيَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَلَكُوتَ كَمَا لَمْ يَظْهَرْ فِي عَهْدِ يَحْيَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَكَذَا لَمْ يَظْهَرْ فِي عَهْدِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَا فِي عَهْدِ الْحَوَارِيِّينَ وَالسَّبْعِينَ، بَلْ كُلٌّ مِنْهُمْ مُبَشِّرٌ بِهِ، وَمُخْبَرٌ عَنْ فَضْلِهِ وَمُتَرَجٍّ لِمَجِيئِهِ، فَلَا يَكُونُ الْمُرَادُ بِمَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ طَرِيقَةَ النَّجَاةِ الَّتِي ظَهَرَتْ بِشَرِيعَةِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَإِلَّا لَمَّا قَالَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْحَوَارِيُّونَ وَالسَّبْعُونَ: إِنَّ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قَدِ اقْتَرَبَ، وَلَمَّا عَلَّمَ التَّلَامِيذَ أَنْ يَقُولُوا فِي الصَّلَاةِ وَلْيَأْتِ مَلَكُوتُكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ قَدْ ظَهَرَتْ بِشَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَهَؤُلَاءِ كَانُوا يُبَشِّرُونَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ الْجَلِيلَةِ، وَلَفْظُ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَلَكُوتَ يَكُونُ فِي صُورَةِ السَّلْطَنَةِ لَا فِي صُورَةِ الْمَسْكَنَةِ، وَأَنَّ الْمُحَارَبَةَ وَالْجِدَالَ فِيهِ مَعَ الْمُخَالِفِينَ يَكُونَانِ لِأَجْلِهِ، وَأَنَّ مَبْنَى قَوَانِينِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كِتَابًا سَمَاوِيًّا، وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ يَصْدُقُ عَلَى الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ.
وَقَوْلُ عُلَمَاءِ الْمَسِيحِيَّةِ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْمَلَكُوتِ شُيُوعُ الْمِلَّةِ الْمَسِيحِيَّةِ فِي جَمِيعِ الْعَالَمِ، وَإِحَاطَتُهَا بِكُلِّ الدُّنْيَا بَعْدَ نُزُولِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فَتَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَيَرُدُّهُ التَّمْثِيلَاتُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْبَابِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ إِنْجِيلِ مَتَّى مَثَلًا قَالَ: (٢٤ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا زَرَعَ زَرْعًا جَيِّدًا فِي حَقْلِهِ. . .) ثُمَّ قَالَ: (٣١ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ حَبَّةَ خَرْدَلٍ أَخَذَهَا إِنْسَانٌ وَزَرَعَهَا فِي حَقْلِهِ. . .) ثُمَّ قَالَ: (٣٣ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ خَمِيرَةً أَخَذَتْهَا امْرَأَةٌ وَخَبَّأَتْهَا فِي ثَلَاثَةِ أَكْيَالِ دَقِيقٍ حَتَّى اخْتَمَرَ الْجَمِيعُ) فَشَبَّهَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ بِإِنْسَانٍ زَارِعٍ لَا بِنُمُوِّ الزِّرَاعَةِ وَحَصَادِهَا، وَكَذَلِكَ شَبَّهَهُ بِحَبَّةِ خَرْدَلٍ لَا بِصَيْرُورَتِهَا شَجَرَةً
عَظِيمَةً وَشَبَّهَهُ بِخَمِيرَةٍ لَا بِاخْتِمَارِ جَمِيعِ الدَّقِيقِ. وَكَذَا يَرُدُّ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ بَيَانِ التَّمْثِيلِ الْمَنْقُولِ فِي الْبَيَانِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ إِنْجِيلِ مَتَّى هَكَذَا (٤٣ لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لِأُمَّةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute