للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعينه. فحركة المصلي في منزل مغصوب مثلاً، فعل واحد فلو صحت صلاته فيها لأدى القول بصحتها إلى أن يكون الفعل الواحد حرامًا واجبًا في وقت واحد، وهذا تناقض، لأن الصلاة واجبة، والكون في الشيء المغصوب حرام.

وهذا التصور مردود «هَذَا خِلَافُ إجْمَاعِ السَّلَفِ، فَإِنَّهُمْ مَا أَمَرُوا الظَّلَمَة عِنْدَ التَّوْبَةِ بِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ الْمُؤَدَّاةِ فِي الدُّورِ الْمَغْصُوبَةِ [مَعَ كَثْرَةِ وُقُوعِهَا] ... بَلْ نَقُولُ: الْفِعْلُ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فِي نَفْسِهِ فَإِذَا كَانَ لَهُ وَجْهَانِ مُتَغَايِرَانِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَطْلُوبًا مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، مَكْرُوهًا مِنْ الْوَجْهِ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا الْمُحَالُ أَنْ يُطْلَبَ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يُكْرَهُ بِعَيْنِهِ، [وَفِعْلُهُ] مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَلَاةٌ مَطْلُوبٌ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ غَصْبٌ مَكْرُوهٌ، [وَالْغَصْبُ مَعْقُولٌ دُونَ الصَّلَاةِ وَالصَّلَاةُ مَعْقُولَةٌ دُون الْغَصْبِ]، وَقَدْ اجْتَمَعَ الْوَجْهَانِ فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ، وَمُتَعَلَّقُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ الْوَجْهَانِ الْمُتَغَايِرَانِ» (١).

وهكذا رأينا الظاهرية يحكمون بالبطلان على كل فعل منهي عنه على أي وجه كان هذا النهي، لأنه وقع على خلاف ما يطلب الشارع، فكان بوضعه هذا غير مشروع، وإذا كان غير مشروع، فلا يترتب عليه أي أثر شرعي، ودليلهم في ذلك هو ما سبق أن استدل به البخاري «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (*).

أما الجمهور فقد قسم المنهي عنه لذاته، أو لصفة ملازمة له، فهو حينئذٍ باطل أو فاسد - على الخلاف بين الأحناف والشافعية


(١) انظر " المستصفى ": ١/ ٧٦، ٧٩.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) هكذا صيغة الحديث، حيث ورد معلقًا، انظر " فتح الباري بشرح صحيح البخاري "، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، (٩٦) كِتَابُ الاِعْتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (٢٠) بَابُ إِذَا اجْتَهَدَ العَامِلُ أَوِ الحَاكِمُ، فَأَخْطَأَ خِلاَفَ الرَّسُولِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، فَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»، ١٣/ ٣١٧، نشر دار المعرفة - بيروت، طبعة سنة ١٣٧٩ هـ.
والصيغة التي ذكرها المؤلف - حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى -: «كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ»، إنما وردت في كتب الشروح مثل " فتح الباري " لابن حجر، " شرح القسطلاني على البخاري "، و" التمهيد " و" الاستذكار " لابن عبد البر.

<<  <   >  >>