للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مقدر هو النصف إلى نصيب غير مقدر عندما تكون عصبة بالغير أو مع الغير، فإذا لم يبق من التركة شيء لم تأخذ شيئًا.

وقد روي عن ابن عباس أنه قال: «أَعَالَ الفَرَائِضَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَيْمُ اللَّهِ لَوْ قَدَّمَ مَنْ قَدَّمَ اللَّهُ، وَأَخَّرَ مَنْ أَخَّرَ اللَّهُ مَا عَالَتْ فَرِيضَةٌ»، قِيلَ لَهُ: وَأَيُّهَا قَدَّمَ اللَّهُ، وَأَيُّهَا أَخَّرَ اللَّهُ؟. قَالَ: «كُلُّ فَرِيضَةٍ لَمْ يُهْبِطْهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ مُوجَبِهَا إِلاَّ إِلَى فَرِيضَةٍ أُخْرَى، فَهِيَ مَا قَدَّمَ اللَّهُ، وَكُلُّ فَرِيضَةٍ إِذَا زَالَتْ عَنْ فَرْضِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا إِلاَّ مَا بَقِيَ فَتِلْكَ التِي أَخَّرَ اللَّهُ فَالأَوَّلُ مِثْلُ الزَّوْجَةِ وَالأُمِّ، وَالمُتَأَخِّرُ مِثْلُ الأَخَوَاتِ وَالبَنَاتِ». قَالَ: «فَإِذَا اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ بُدِئَ مَنْ قَدَّمَ اللَّهُ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ فَلِمَنْ أَخَّرَ اللَّهُ، وَإِلاَّ فَلاَ شَيْءَ لَهُ»، قِيلَ لَهُ: فَهَلاَّ قُلْتَ هَذَا القَوْلَ لِعُمَرَ: قَالَ: «هِبْتُهُ» (١).

ورأي الجمهور أقرب للعدل والنظر من رأي ابن عباس، فالورثة أشبه بالغرماء في مال المدين إذا قصر عن الوفاء بكل حقوقهم. فإن المال حينئذٍ يقسم بقدر حصصهم من الدين، ولا يحق لبعضهم أن يستوفي حقه كاملاً على حساب حرمان الآخرين.

هذا هو ابن عباس، آثرناه بمزيد من البيان بعد أن أجملنا الخطوط العامة لرواة الحديث من الصحابة، ووصفنا الملامح الرئيسية لفقههم.

ونرى لزامًا علينا - لتتضح الصورة، وتتميز الفروق - أن نذكر ابن عمر من بين المجموعة الثانية كطرف مقابل لابن عباس -، فنختصه بكلمة تجلي لنا جوانب من شخصيته، وتكشف لنا عن بعض اتجاهاته في الفقه، لتسهل الموازنة بين المجموعتين.

وأول ما يطالعنا من سلوك ابن عمر وشخصيته هو حرصه على السنة وتمسكه بها، واقتداؤه بالرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقتداءً تامًا لا استثناء فيه حتى لقد رأى معاصروه أنه قد بالغ في ذلك، فقد «ذَكَرَ نَافِعٌ أنَّ عَبْدَ اللهِ تَتَبَّعَ


(١) انظر " المحلى " لابن حزم: ٩/ ٢٦٢، ٢٧٦؛ و" بداية المجتهد ": ٢/ ٢٩٢.

<<  <   >  >>