للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتسفر مناظرته في هذه المسألة لزيد بن ثابت عن ميله الواضح لظاهر اللفظ فيها، فقد أرسل ابن عباس إلى زيد بن ثابت: أَتَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ؟. فَقَالَ زَيْدٌ: «إِنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ تَقُولُ بِرَأْيِكَ، وَأَنَا رَجُلٌ أَقُولُ بِرَأْيِي» (١).

وقد روى الدارمي عن إبراهيم النخعي قال: «خَالَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَهْلَ القِبْلَةِ فِي امْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ: جَعَلَ لِلأُمِّ الثُّلُثَ مِنْ جَمِيعِ المَالِ» (٢).

ومذهب ابن عباس في هذه المسألة هو ما ذهب إليه بعده أهل الظاهر، كداود وابن حزم (٣).

ومن رأي ابن عباس أيضًا رفض العول، مخالفًا بذلك جمهور الصحابة، وقد أخذ برأيه في رفض العول داود وابن حزم وغيرهما من أهل الظاهر، تَشَبُّثًا منهم بأن مجموع الأنصبة يجب ألا يزيد على الواحد الصحيح، فالتركة تستوعب نصفين، فإذا وجد من له الثلث معهما لم يصادف هذا الثلث مقابلاً له من التركة، وهذا أمر بديهي، وإذا كان بعض الورثة حينئذٍ لن يكون له حظ من التركة، وجب أن ينظر فيمن يقدم منهم ليكون أولى بأخذ نصيبه، وقد رأى ابن عباس أن التركة إذا تزاحمت فيها الفروض قدم من الورثة من ينتقل من فرض مقدر إلى فرض آخر مقدر، فإذا بقي منها شيء أخذه من ينتقل من فرض مقدر إلى نصيب غير مقدر. فمثلاً إذا كان الورثة زوجًا وأختًا شقيقة وَأُمًّا، فللزوج النصف، وللأخت النصف، وللأم الثلث، فابن عباس يقدم الزوج والأم، فيأخذان نصيبهما كاملاً، لأنهما ينتقلان من فرض مقدر هو النصف للزوج والثلث إلى فرض مقدر وهو الربع للزوج والسدس للأم وما بقي بعد نصيبهما تأخذه الأخت لأنها تنتقل من فرض


(١) و (٢) " سنن الدارمي ": ٢/ ٣٤٦.
(٣) انظر " المحلى ": ٩/ ٢٦١، ٢٦٢؛ و" بداية المجتهد ": ٢/ ٢٨٧، ٢٨٨؛ و" إعلام الموقعين ": ٢/ ٥، ٥٩.

<<  <   >  >>