للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِهِمْ، حَتَّى قُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ بَشَرٌ كَثِيرٌ. قَالَ: وَأُثْخِنَ الأَشْعَثُ بِالْجِرَاحَاتِ، فَوَلَّى مُنْهَزِمًا هُوَ وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى دَخَلُوا الْحِصْنَ، فَحَاصَرَ [الْمُسْلِمُونَ] [١] الأَشْعَثَ وَأَصْحَابَهُ أَشَدَّ حِصَارٍ.

قَالَ: وَسَمِعَتْ بِذَلِكَ قَبَائِلُ كِنْدَةَ مِمَّنْ كَانَ تَفَرَّقَ عَنِ الأَشْعَثِ لَمَّا قَتَلَ رَسُولَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: يَا قَوْمَنَا، إِنَّ بَنِي عَمِّنَا قَدْ حُصِرُوا فِي حِصْنِ النُّجَيْرِ، وَهَذَا عَارٌ عَلَيْنَا أَنْ نُسْلِمَهُمْ، فَسِيرُوا بِنَا إِلَيْهِمْ. قَالَ:

فَسَارَتْ قَبَائِلُ كِنْدَةَ يُرِيدُونَ مُحَارَبَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَبَيْنَ أَيْدِيهِمُ الْجَبْرُ بْنُ الْقَشْعَمِ الأرقمي شَاكٍ فِي السِّلاحِ، وَهُوَ يَقُولُ:

(مِنْ مَشْطُورِ الرَّجَزِ)

١- قَدْ حُصِرَتْ كِنْدَةُ فِي النُّجَيْرِ ... ٢- مَا إِنْ لَهَا عَنِ الدِّفَاعِ غَيْرِي

٣- وَمُنْجِهِمْ غَيْرِي مَعًا وَخَيْرِي ... ٤- وَعَنْهُمُ أَنْفِي الْعِدَا بِصَبْرِي

وَأَقْبَلَ أَبُو قُرَّةَ الْكِنْدِيُّ فِي قَوْمِهِ، وَأَنْشَدَ أَبْيَاتًا لَمْ نَذْكُرْهَا. قَالَ: وَأَقْبَلَ أَبُو الشِّمْرِ الْكِنْدِيُّ فِي قَوْمِهِ مِنْ بَنِي جَمْرَةَ، وَأَنْشَدَ أَبْيَاتًا لَمْ نَذْكُرْهَا.

قَالَ: وَبَلَغَ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ مَسِيرُ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ إِلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ جَزَعَ لِذَلِكَ، ثم أقبل [٣٩ ب] عَلَى عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ فَقَالَ لَهُ/ مَا تَرَى، فَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَرَى أَنْ تُقِيمَ أَنْتَ عَلَى بَابِ الْحِصْنِ مُحَاصِرًا لِمَنْ فِيهِ، حَتَّى أَمْضِيَ أَنَا فَأَلْتَقِي هَؤُلاءِ الْقَوْمَ، فَقَالَ زِيَادٌ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ، وَلَكِنِ انْظُرْ يَا عِكْرِمَةُ، إِنْ أَظْفَرَكَ اللَّهُ بِهِمْ فَلا تَرْفَعِ السَّيْفَ عَنْهُمْ أَوْ تُبِيدَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ. فَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَسْتَ أَلْوِي [٢] جَهْدًا فِيمَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا باللَّه العلي العظيم.


[١] في الأصل: (فحاصروا الأشعث) .
[٢] لست ألوي: لا أقصر ولا أبطئ، ألا ألوا وألوّا وأليّا، وألى واتّلى: قصر وأبطأ.
(القاموس: ألا) .

<<  <   >  >>